كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً. ( نهج البلاغة ٤: ١٠)        أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)        أحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)       الغيبة جهد العاجز. ( نهج البلاغة ٤: ١٠٦)      من أشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار أجتنب المحرمات. ( نهج البلاغة ٤: ٧ـ ٨ )      
الدروس > بحث خارج > أصول > مباحث الدليل اللفظي الصفحة

تعريف علم الاُصول
بسم الله الرحمن الرحيم
المدخل
١ ـ تعريف علم الاُصول.
٢ ـ موضوع علم الاُصول.
٣ ـ تقسيم بحوث علم الاُصول.
اعتاد الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أن يتطرقوا قبل الدخول في صلب البحث عن علم الاُصول إلى اُمور ثلاثة:
١ ـ تعريف علم الاُصول.
٢ ـ موضوع علم الاُصول.
٣ ـ تقسيم بحوث علم الاُصول.
وها نحن نتبع ـ إن شاء الله تعالى ـ نفس المنهج، فنبحث هذه الاُمور الثلاثة تباعاً ونعتبرها هي المدخل إلى هذا العلم.
١ ـ تعريف علم الاُصول
لا إشكال في أن الفقيه عندما يباشر عملية الاستنباط يستعين فيها بمقدمات كثيرة ومتنوعة، فمثلاً عندما يريد استنباط وجوب التيمم بمطلق وجه الأرض يستعين بمقدمات كثيرة.
منها: ظهور صيغة الأمر في (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(١) في الوجوب.
ومنها: ظهور لفظة (الصعيد) في مطلق وجه الأرض.
ومنها: حجية الظهور.
ومنها: حجية خبر الثقة.
ومنها: وثاقة الراوي، فيما لو فرض دلالة خبر على وجوب التيمم.
إلى غيرها من المقدمات.
مقدمات الاستنباط متنوعة
ولا إشكال في أن هذه المقدمات ليست داخلة جميعاً في وظيفة علم الاُصول، فإن منها ما هو وظيفة علم الحديث كوجود الخبر، فإن البحث عن وجوده وعدم وجوده من وظيفة هذا العلم، ومنها ما هو وظيفة علم الرجال كوثاقة المخبر، فإن البحث عن الوثاقة وعدم الوثاقة من وظيفة هذا العلم، ومنها ما هو وظيفة علم اللغة كدلالة لفظة (الصعيد) على مطلق وجه الأرض، فإن البحث عن هذه الدلالة وعدمها من وظيفة هذا العلم، ومنها ما هو وظيفة علم المنطق كصحة الاستدلال بالقياس المركب من الشكل الثاني أو الثالث، فإن البحث عنها من وظيفة هذا العلم. ومنها ما هو وظيفة، علم الاُصول كدلالة صيغة الأمر على الوجوب، وكحجية خبر الثقة، وكجريان أصالة البراءة، فإن البحث عن ذلك كله من وظيفة علم الاُصول.
إذن فالمقدمات التي يستعين بها الفقيه في استنباط الحكم الشرعي مأخوذة من مصادر كثيرة مختلفة، منها ما هو مأخوذ من علم الاُصول، ومنها ما هو مأخوذ من غيره من العلوم.
ضابط المقدمات الاُصولية
وحينئذٍ فلابدّ من أن نرى أنه هل هناك مائز موضوعي وضابط كلّي لسنخ المقدمات المأخوذة من علم الاُصول المستعان بها في استنباط الحكم الشرعي، بحيث تميّز على أساسه عن غيرها من المقدمات المأخوذة من سائر العلوم، أم لا يوجد مثل هذا المائز والضابط الكلّي للمقدمات المأخوذة من علم الاُصول، وإنما جمعت هذه المقدمات في إطار هذا العلم بسبب عدم تكفّل سائر العلوم بها، فعلم الاُصول جامع لما لم يذكر في غيره من العلوم ومشتمل على المقدمات المختلفة التي لم يتعرض لها في سائر الفنون؟
فالمقصود هنا التوصل إلى ضابط حقيقي يجمع كافة المقدمات المأخوذة في مقام استنباط الحكم الشرعي عن علم الاُصول ويميزها عن المقدمات المأخوذة في هذا المقام عن سائر العلوم، فإن وجد هذا الضابط الحقيقي الجامع المانع، فهذا معناه التوصل إلى تعريف لعلم الاُصول، وإن لم يوجد الضابط والجامع الحقيقي، بل اُريد إبراز جامع انتزاعي ينتزع ويستل من المسائل والمقدمات المبحوثة ـ خارجاً ـ في علم الاُصول والتي تناولها فعلاً هذا العلم بالبحث والدرس، فهذا معناه عدم وجود تعريف لعلم الاُصول.
ومن هنا نقول تبعاً لسيدنا الاُستاذ الشهيد ـ رحمه الله ـ: إن ما حاوله بعض الاُصوليين عن طريق أخذ قيد (الممهّدة لغرض الاستنباط خاصّة) في تعريف علم الاُصول، لا يكفي للإجابة الصحيحة على السؤال الذي طرحناه آنفاً، فإنّ الجامع الانتزاعي المنتزع في طول تأليف علم الاُصول وتدوينه لا يمكن أن يكون هو المائز الحقيقي الذي يميّز مسائل هذا العلم وبحوثه عن غيرها من المقدمات المستعان بها على استنباط الحكم الشرعي، فإن السؤال يبقى طارحاً نفسه: لماذا مهّدت ودوّنت هذه المقدمات في علم الاُصول ولم يدوّن غيرها فيه لنفس الغرض؟ ولماذا دوّنت هذه هنا ولم تدوّن في علم آخر لنفس هذا الغرض؟
ونحن نستعرض في المقام بعض التعاريف المذكورة لعلم الاُصول إلى أن نصل إلى التعريف الصحيح المختار:
١ ـ التعريف الأوّل: وهو التعريف الأساسي المتعارف الذي ذكره الكثير من الاُصوليين كصاحب (القوانين) وصاحب (الفصول) وصاحب (الكفاية) والميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ مع إجراء بعض التعديل عليه كما يأتي إن شاء الله، وهو: أن علم الاُصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الحكم الشرعي.
فالمقدمات المأخوذة من علم الاُصول للاستعانة بها في عملية الاستنباط كلّها عبارة عن (قواعد)، أي اُمور كلية تمهّد الطريق لاستنباط الحكم الشرعي.
وهذا التعريف توجّه إليه عادة ثلاثة مؤاخذات:
١ ـ المؤاخذة الأولى: أن هذا التعريف ليس مانعاً عن الأغيار حيث لم يُجدِنا شيئاً في مقام التوصّل إلى ضابط حقيقي يميّز المقدمات المأخوذة ـ في مقام استنباط الحكم الشرعي ـ من علم الاُصول عن المقدمات المأخوذة من سائر العلوم في هذا المقام، إذ أن هذا التعريف صادق على جميع المقدمات التي ذكرناها والتي يستعين بها الفقيه على استنباط الحكم الشرعي سواء المأخوذة من علم الاُصول والمأخوذة من غيره، فكما يصدق التعريف على (حجية خبر الثقة) المأخوذة من علم الاُصول باعتبارها قاعدة ممهدة للاستنباط، كذلك يصدق على (وثاقة الراوي) المأخوذة من علم الرجال، فإنها من القواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي المنقول في رواية ذلك الراوي، ويصدق على ظهور لفظة (الصعيد) في مطلق وجه الأرض المأخوذة من علم اللغة، فإن هذا الظهور أيضاً من القواعد التي تمهّد لاستنباط الحكم الشرعي الذي يرتبط بمعنى لفظة (الصعيد)، ويصدق التعريف أيضاً على القواعد المأخوذة من علم المنطق وهكذا. فهذه هي المؤاخذة الاُولى.

(١) النساء: ٤٣، المائدة: ٦.