روضة الواعظين
الفتال النيسابوري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله استتماما لنعمته، واستسلاما لربوبيته، واستعصاما من معصيته وصلى الله على محمد خيرته على بريته، وعلى الطيبين الطاهرين من عترته، وسلم تسليما كثيرا. وبعد: فإنى كنت في عنفوان شبابى قد اتفقت لى مجالس، وعرضت محافل والناس يسألوننى عن اصول ديانات وابانة الفروع عنها في المقامات، فأجبتهم عنها بجواب يكفيهم، ومقال يشفيهم، فحاولوا عنى بالكلام في التذكير، والزهد والمواعظ والزواجر، والحكم والآداب، فرجعت إلى كتب أصحابنا، فما وجدت لهم كتابا يشتمل على جميع هذه المطلوبات، ويدور على جمل هذه المذكورات إلا متبترات في كتبهم، ومتفرقات في زبرهم، فهممت أن أجمع كتابا يشتمل على بعض كلام الله ويدور على محاسن اخبار النبي صلى الله عليه وسلم ويحتوى على جواهر كلام الائمة عليهم السلام وأبوبه أبوابا، ومجالس، وأضع كل جنس موضعه، فإنه لم يسبقنى أحد من اصحابنا إلى تأليف مثل هذا الكتاب، فكان التعب به اكثر والنصب اعم واكثر وأنا إن شاء الله افتتح لكل مجلس منها بكلام الله تعالى، ثم بآثار النبي والائمة عليهم السلام، محذوفة الاسانيد، فإن الاسانيد لا طايل فيها إذا كان الخبر شايعا ذايعا، ووقعت تسميته (بروضة الواعظين، وبصيرة المتعظين) وان ورد خبر في هذا الكتاب يقتضى ظاهره مذهب الحشو والاختلاط، ينبغى أن يتأمله الناظر ويتفكر فيه، فإن عرف تأويله عرف معناه، وان لم يظهر له معناه رجع إلى من عرف معناه ليعرفه المراد به، فإن كلام النبي والائمة عليهم السلام ليس له مزية على كلام الله فكلام الله تعالى لم يخل من المتشابه، فكذلك كلام النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة عليهم السلام لكنه يرجع إلى من كان عالما، حاذقا، بصيرا بالاصول والفروع واللغة والاعراب حتى يتبين المراد، فيعلم إنه ليس بين كلام الله تعالى، والنبى والائمة عليهم السلام