الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      لا يَصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده. ( نهج البلاغة ٤: ٧٤)      بادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكركم. ( نهج البلاغة ٤: ٤٦)        أخلص في المسألة لربّك فإن بيده العطاء والحرمان. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)        ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      
البحوث > الفقهية > مسألة تغير قيمة العملة الورقية وأثرها في الأموال المؤجلة الصفحة

مسألة تغيّر قيمة العملة الورقيّة وأثرها في الأموال المؤجّلة
الشيخ محمد علي التسخيري

١ ـ توضيح المسألة وحقيقة الإشكال فيها
بعد أن حلّت الأوراق النقدية محلّ النقد الخلقي (الذي له قيمته الذاتية كالذهب والفضة)، وطرأت عوامل التضخم وتقلب الأسعار الحادّ، الذي يؤثر تأثيراً كبيراً على القوة الشرائية لهذه الأوراق، مما يؤدّي إلى قلّة سعرها أمام المنافع والسلع والخدمات المقدمة، جاءت هذه المشكلة ولاسيما في مجال الديون، كما تطلّب الحديث عنها في مجالات أخرى كوجوب الزكاة وأحكام الصرف وأحكام الضمان وغير ذلك وسنركز في الديون خاصة، وحقيقة الإشكال تكمن في بحثنا هذا في مقتضيات أمرين متخالفين:
الأول: مثلية هذه الأوراق، والمثلي هو ما تماثلت آحاده بحيث يقوم بعضها مقام بعض، ويشمل المكيلات والموزونات والمعدودات، وفي قباله القيمي كالحيوان والعروض والعقار، وعليه فإذا اقترض ورقة نقدية أو إذا غصبها كان عليه رد مثلها لا غير.
الثاني: العدالة، فكثيراً ما يقرض المرء غيره مبلغاً من المال رفقاً به، فإذا حلّ أجل الوفاء وجد المقرض هذا المبلغ أقل بكثير مما دفعه من حيث قدرته الشرائية، ويأتي هذا في الديون والمهور حيث يطرأ عليها التغيير الفاحش، مما يكون له آثار فاحشة على المستويات الدولية والفردية ويحقق شبهة الظلم ونقض العدالة بلا ريب.
وكل ما طرح من حلول يحاول رفع هذا التناقض إما من خلال التركيز في قيمية الأوراق المالية المتبادلة; باعتبارها لا ملازمة بين هذا الدليل وبين المدعى إذ ما اكثر السلع التي لها قيمة استعمالية ومع ذلك تعد من القيميات كما ان هناك ما ليس له قيمة استعمالية ومع ذلك يعتبر من المثليات كبعض المحفزات مثلاً لو قيل بالضمان فيها وعلى اي حال ليس الملاك في القيمي فقد القيمة الاستعمالية. لا تملك أية قيمة استعمالية في نفسها، في حين تملك الأشياء الاخرى حتى النقدان الذهب والفضة، بل حتى الفلوس النافقة (التي كانت تقوم مقام النقدين في الأشياء الصغيرة فكانت قيمتها التبادلية أعلى من قيمتها الاستعمالية) قيماً استعمالية، مما يحقق لها نوعاً من المثلية.
أما هذه الاوراق فهي بطبيعتها قيمية ولاسيما بعد أن تم فصلها تماماً عن الغطاء الذهبي وعادت أموالاً عرفية(١)، أو من خلال تأكيد أن مقتضيات العدالة رغم أنها المعتبرة في نظام المعاملات بعد تقرير القرآن الكريم له بقوله تعالى: (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(٢) إلاّ أن هذه الموارد ترتبط بالجوائح والحوادث الحاصلة للأموال بعد ثبوتها، وأن العدالة إذا كانت تقتضي هنا جبر الخسارة فإنها تقتضي حفظ النظام وعدم الإخلال به. فإذا ركزنا في قيمية النقد اختل النظام العام للديون وحدثت مضاعفات أخرى لا يمكن جبرها، كما نرى فيما بعد.

(١) لا مجال للحديث عن التطور النقدي وعلاقة الأوراق النقدية بالذهب والفضة، وإنما الذي استقر عليه الوضع الحالي هو انفصال النظم النقدية تماماً عن الذهب والفضة وامثالها، وتحول الأوراق النقدية إلى وضع يشبه السلع التي تخضع لمستوى العرض والطلب، والسلع قيمية بلا ريب.
(٢) البقرة: ٢٧٨.