نظرة في مباني ولاية الفقيه
الشـيخ عبد الله الجوادي الآملي
ترجمة: عباس الأسدي
يقدم: القرآن الكريم أكمل وأبرز وصف للانسان حينما يعتبره عبداً للذات القدسية الالهية، ذلك أن كمال أي موجود يكمن في حركته على اساس نظامه التكويني، والله تبارك وتعالى هو الذي يوجّه الانسان نحو هدفه وغايته; لأن الانسان تنقصه المعرفة الكاملة عن المسير والغاية، ويبين له حقيقته وحقيقة العالم والارتباط المتبادل بين الاثنين.
إن علاقة الانسان بجميع الظواهر من ناحية وجهله بكيفية هذا الارتباط من ناحية أخرى يفرضان ضرورة وجود الموجّه الذي ينبغي أن يكون عالماً مطلقاً، وإذا استطاع الانسان أن يشخص هذا الطريق بالشكل الصحيح ، واصبح عبداً لله العالم بكل هذه الشؤون وأذعن بمولويته حينئذ يصل إلى افضل درجات الكمال.
ولهذا نجد أن أهم كمال يطرحه الله سبحانه في القرآن الكريم العبودية: (الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب)(١).
وكما أن الاسراء والمعراج قائمان على اساس العبودية، فإن نزول الكتاب الالهي وهبوطه مرتكز ايضاً على قاعدة العبودية، فإذا اراد المرء أن يُسرى أو يُعرج به، وإذا اراد لقلبه أن يصبح مهبطاً للوحي الالهي، فلابد له أن يحلّق من مدرج العبودية; فكما أن: (سبحان الذي اسرى بعبده)(٢)، مرتكز على اساس العبودية كذلك: (فاوحى إلى عبده ما اوحى)(٣)، (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)(٤)، فالاسراء والوحي والتنزيل كما تؤكد الآيات الكريمة السالفة كلها قائمة على اساس العبودية ، وهذا الامر لا يختص بعلوم الشريعة والعلوم الظاهرية وحسب، بل وصل إلى هذه المنزلة وعلى اساس العبودية ايضاً اولئك الذين لهم العلوم الولائية ويحكمون على اساس الباطن ويمثلون (الخضر) في الطريق إلى الله; فحينما يذكر الله تعالى في كتابه قصة الخضر يصفه بالعبد: (فوجدا عبداً من عبادنا)(٥)، وكان موسى الكليم قد كُلِّف من قبل بالاستفادة من عبد من خواصّ عباد الله تعالى له حظٌ من العلم اللدني، فسواءً كان الانسان هو (الخضر) أو كان هو (نبي الاسلام صلى الله عليه وآله) فهو إنما بلغ وقد بلغ الخضر أو النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ما بلغ من المنزلة بسبب العبودية.