اسباب نزول القرآن
السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
لا ريبَ أن اهتمام المسلمين انصبَّ - منذ فجر الإسلام - على تفسير القرآن الكريم، توصلاً إلى العمل به وتطبيقه.
وكان التفسير في بداية أمره يعتمد عنصر الإبانة والإيضاح بالكشف عن معنى اللفظ لغوياً، وعن مدلوله عرفيّاً، وإظهار ذلك بألفاظ أُخرى أكثر استعمالاً وأسرع دلالة عند العرف العام، وهذا ما تدلّ عليه كلمة (التفسير) بالذات.
ويجد المتتبع أن أكثر التفاسير المصنّفة في القرنين الأول والثاني تَعتمد هذا الشكل من التفسير، كتفسير مجاهد (المتوفى سنة ١٠٤هجري)، وزيد الشهيد (سنة ١٢٢هجري)، وعطاء الخراساني (ت ١٣٣هجري) وغيرهم.
وهذا المنهج التفسيري يبتني في الأغلب على ما ذكره الصحابة وكبار التابعين، وأكثر من نقل عنه ذلك هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس (ت ٦٨هجري)(١) الذي يُعدّ من روّاد علم التفسير والمشهورين بعلم القرآن، حتى لقّب ب«ترجمان القرآن»(٢).
وكان جلّ تلمذته على الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، حتى شهد الإمام في حقّه، بقوله: «كأنّما ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيق»(٣).
وهذا الشكل من التفسير يرتكز - كما أشرنا - على المعلومات اللغوية فيتناول الألفاظ الغريبة الواردة في القرآن بالشرح والبيان وإيراد ما فيها من مجازٍ في الكلمة أو الإسناد أو حذف أو تقدير أو نحو ذلك من التصرفات اللفظية.
قال الأستاذ فؤاد سزكين - بعد أن عّد تلاميذ ابن عباس في علم التفسير -: «تضم تفاسير هؤلاء العلماء وكذلك تفسير شيخهم توضيحات كثيرة ذات طابع لغوي أحرى أن تسّمى: دراسة في المفردات»(٤).
وانصبّ جهد المفسرين في مرحلة تالية على معرفة الحوادث المحيطة بنزول القرآن، لما في ذلك من أثر مباشر على فهم القرآن والوصول إلى مغزى الآيات الكريمة، لأن موارد النزول والمناسبات التي تحتّف بها تضم قرائن حالية تكشف المقاصد القرآنية، ويستدل بها على سائر الأبعاد المؤثرة في تحديدها وتفسيرها، ويُسمّى هذا الجهد (بمعرفة أسباب النزول) في مصطلح مؤلّفي علوم القرآن.
وقد ساهم كثير من الصحابة، الذين شهدوا نزول الوحي، وعاصروا الحوادث المحتفة بذلك، وحضروا المشاهد، وعاشوا القضايا التي نزلت فيها الآيات، في بيان هذه الأسباب بالإدلاء بمشاهداتهم من أسباب النزول.
واستند المفسّرون إلى تلك الآثار في مجال التفسير مستعينين بها على فهم القرآن وبيان مراده.
ويجدر أن يسمّى هذا الشكل من الجهد التفسيري بمنهج «التفسير التاريخي».
وقد أشار بعض علماء التفسير إلى هذين الشكلين من الجهد بقوله: اعلم أنَّ التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن. وبيان المراد، أعمّ من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، - وبحسب المعنى الظاهر وغيره.
والتفسير: إمَّا أن يُستعمل في غريب الألفاظ، وإمّا في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها(٥).
وهناك فراغ في الكتب المتعرضة لأسباب النزول سواء العامة لكل الآيات، أو الخاصة ببعضها، حيث أغفلت جانب أسباب النزول من حيث أهميَّتها، وطرق إثباتها وحجّيتها، وأخيراً ذكر مصادرها المهمّة.