الكلمة في القرآن
غالب حسن (١)
مقاربات في المجال الدلالي والوظيفي
أعطى القرآن الكريم (الكلمة) مجالاً وَظيفياً واسعاً وفاعلاً يتجاوز بمراحل نوعية ذلك الافق الضيق من الاستعمال القاموسي، فالكلمة من خلال رصد استعمالاتها فينطاق الوحي طاقة حسية تتوزع ببراعة وبجدارة في مسارب متعددة ومتنوعة من الاشارة والبيان والاعلان، فكانت عبارة عن حركة بين الصيرورة وتاريخ من التوكيد الوظيفي الفائق على الاشياء والحوادث، إنها امكانية هائلة من الدلالات التي تتفاصل على بُعد نوعي واضح وعميق من المسافات.
في الحقيقة: لاستعراض مثل هذه الدلالات لا بد أن نشير، الى أن مادة (الكلمة) في الكتاب العزيز تحركت في اشواط متسارعة من الاشتقاقات والصيغ، وذلك من آليات الاستعمال ودرجة حركته، بل هي احدى مؤثرات الاهتمام في أي مادة لغوية في أيكل مه، كلمة، كل مهم، أكلَمَ، تكلِّم، تكَلِّمنا، تكلمهم،]عمل فكري أو أدبي أو فلسفي تكلمون، تكلّم، يكلّم، يكلّمنا، يكلّمه، يكلّمهم، تتكلّم، يتكلّم، يتكلمون، كلام، كلامي،، وهذه الحركة السريعة من الصيغ [كلمة، كلمته، كلمتنا، كلمات، كلماته، الكليم، تكليماترتبط بقضايا رئيسية من صلب عقيدةٍ تفسر الكون أو تصور يكشف عن قوانين الحياة والتاريخ أو رؤى في انماط الوجود وتجلياته أو قواعد الخطاب البشري ببعده الجدليالمثير، فهي ـ اي الكلمة ـ بحملها الاولي أو بمادتها الانشائية دخلت مسيرة النص الالهي القاصد الفاعل!!
هنا، وعوداً على بدء، نقول: ان كثرة الاستخدام ليس وحده مؤشر العناية في الموضوع الذي نحن في صدده، بل أيضاً، وربما مثل ذلك موقع هذا الاستخدام من جوهر النص،الخطاب، ومراجعة دقيقة لاستعمالات الكلمة في القرآن الكريم تطلعنا على موقع متميز;لانه في بعض الاحيان يجسّد عينية خلاقة، فضلاً عن كونها في احيان اخرى آلي ة فعل.وليس من ريب ان الانتقال بمعنى (الكلمة) من ذلك الحيز الذي لا يتعدى (ما ينطق به الانسان مفرداً أو مركباً) الى متون ومضامين تترسم الواقع والوجود، انما هي نقلة نوعية كبرى، ولا يرى ابداً أن هذه الاستعمالات امتداد لغوي صرف للمعنى القاموسي المعروف،بل هي استعمالات نابعة من تصور أو تقديرات خاصة للكلمة باعتبار انها نشاط متميزبخصائص جديرة بهذا الانتقال، وسوف تتضح لنا هذه الفكرة في سياق حديثنا اللاحق.