الإنسان والمعرفة في القرآن الكريم
السيد محمود الهاشمي
أشار القرآن الكريم في مواضع متعددة إلى هذا البعد من أبعاد الإنسان بوصفه كائناً فيه قابلية المعرفة والإدراك والعلم والشعور والفهم، وهذا الموضوع متشعب الجوانب ومحتوٍ لأبحاث كثيرة ومختلفة، منها المنطقية والفلسفية والاجتماعية والعلمية والنفسية، وما سنتطرق إليه هو مجمل من هذا الموضوع، وذلك من خلال تتبع مجموعة الآيات القرآنية التي تتعرض إلى هذا الجانب في الإنسان تصريحاً أو تلميحاً والخروج من هذا البحث بنظرية أو نظريات متكاملة عن هذا البعد المهم في الإنسان، والذي لا يقل أهمية عن أصل البحث الذي ابتدأنا به عن الإنسان في القرآن.
وموضوع الإنسان والمعرفة في القرآن الكريم من الموضوعات الشائكة والمعقدة التي تحتاج إلى كثير من الجهد والعناية في استخراج واستخلاص النظرية المتكاملة عن هذا البعد، وهو مما لا يتأتى إلا لمن سبر أغوار هذا الكتاب العزيز وأستوعب مضامينه العالية، وهو مما يختص به النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، ثم بعد ذلك وبدرجات نازلة أولئك الذين نهلوا من منهلهم وأرتشفوا من معينهم وتعلّموا في أحضان مدرستهم، ونحن هنا لا ندّعي أن كل ما نطرحه هو البعد النهائي للنظرية القرآنية في هذا الموضوع، أو ذاك وإنما هو استـفادات وتصورات ( في حدود قدرتنا العلمية المحدودة ) لمعطيات ومداليل الآيات القرآنية في الموضوع المعين.
ومما يزيد من صعوبة استخراج نظرية قرآنية صريحة تخص هذا البعد من أبعاد الإنسان كون القرآن الكريم وكما بيّنّا سابقاً هو أساساً كتاب هداية وتربية وصنع للإنسان، وليس كتاب نظريات علمية، بل إن مردوده بتلك الجوانب والأبحاث والمصطلحات يكون بالمقدار الذي يحتاج إليه في هدفه الأساسي وهو صنع الإنسانية الصالحة.
ويمكن إيجاز أهم ما تتعرض له الآيات الكريمة المتعددة والمتنوعة في مداليلها بما يلي:
١ ـ إن الإنسان كائن مدرك: تعبّر الكثير من الآيات الكريمة بصراحة عن كون الإنسان كائناً له القدرة على الإدراك والفهم والتحقق والوعي والشعور، وبتعابير مختلفة، كالإبصار والسمع والتعقل والشعور والشهود, فظاهرة الإدراك في الإنسان ثابتة وأساسية تميزه عن سائر الكائنات, والقرآن يعبّر عمن لم يستـفيدوا من هذه الموهبة الإلهية ( العقل والإرادة ) بأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، فهؤلاء لم يغتـنموا الفرصة المتاحة لهم والتي تمكنهم من السير في الطريق