الإستدلال في القرآن
مزيج إسلوبين : الخطابة والبرهان وإمتاع العقل والنفس معاً
* محمد هادي معرفة
إمتاز القرآن في استدلالاته بالجمع بين اسلوبين متنافيين في شرائطهما إسلوب الخطابة واسلوب البرهان : ذاك إقناع للعامة بما يتسالمون به من مقبولات مظنونات وهذا إفهام للخاصة بما يتصادقون عليه من اوليات يقينيات.
ومن الممتـنع عادة أن يقوم المتكلم بإجابة ملتمس كلا الفريقين ليجمع بين الظن واليقين في خطاب واحد .. الأمر الذي حققه القرآن فعلاً بعجيب بيانه وغريب اسلوبه.
والبرهان : ما تركب من مقدمات يقينية سواء أكانت ضرورية ( بديهية أو فطرية ) أم كانت نظرية ( منتهية إلى الضروريات) والقضايا الضرورية ستة أنواع :
١- الأوليات . وهي قضايا قياساتها معها . يكفي في الجزم بالحكم مجرد تصور الطرفين , كقولنا ( الكل أعظم من الجزء ) أو مع تصور الواسطة وحضورها في الذهن, كقولنا ( الأربعة زوج ) لأنه ينقسم إلى متساويين.
٢- مشاهدات : هي قضايا محسوسة بالحواس الظاهرة كإضاءة الشمس.
٣- وجدانيات : منشؤها الحس الباطني كالإحساس بالخوف والغضب.
٤- متواترات : أخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب والاختلاق.
٥- مجريات : يحصل الجزم بالنتيجة على أثر تكرر المحسوس.
٦- حدسيات . هي سرعة الانتقال من المبادئ إلى المطالب ويقابلها الفكر, الذي هو حركة الذهن نحو المبادئ ثم رجوعه إلى المطالب , فلا بد من حركتين على خلاف الحدس إذ لا حركة فيه لأن الحركة تدريجية والانتقال آني.
أما الخطابة فهي ما تركب من مقدمات كانت مقبولة معتقداً بها لأمر سماوي أو لمزيد عقل ودين.
ونظيرها الجدل : المركب من قضايا مشهورات تقبلتها العامة وخضعت لها أعرافهم ونسجت عليها طبايعهم, فألفوها وأذعنوا بها إذعاناً.
أو قضايا مسلمات تسلم بها المخاطبون كأصول مفروضة مسلم بها.