بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)        لن لمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)        خذ على عدوك بالفضل فإنّه أحلى الظفرين. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)       لا  تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)        من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه. ( نهج البلاغة ٤: ١٠٦)      
البحوث > القرآنية > في عمارة السورة القرآنية الصفحة

في عمارة السورة القرآنية
الدكتور محمود البستاني
يلاحظ أن الدراسات القرآنية قديماً وحديثاً لم تُعن بعمارة السورة القرآنية، أي لم تتناول السورة من حيث ارتباط آياتها بعضها مع الآخر. طبيعياً، ثمة دراسات متناثرة قديماً وحديثاً عالجت هذا الجانب من عمارة السورة، إلاّ أن هذه الدراسات لم تتطرق إلى سور القرآن جميعاً، كما لم يتوفر بعضها على دراسة السورة بأكملها، فضلا عن أن بعضها الثالث لم يتناول جميع الخطوط التي ترتبط بها شبكة السورة الكريمة بقدر ما اقتصرت على واحد أو أكثر من الخطوط المشار إليها.
ولعل السر في ذلك (بالنسبة إلى الدراسات القديمة) يعود إلى أن القدماء يتيسر لديهم وعي ثقافي يسمح لهم بدراسة النص الأدبي من خلال (الوحدة العضوية) التي تربط بين أجزاء النص من جانب، وبينه وبين عناصره التي يتألف منها من جانب آخر. حيث تتطلب مثل هذه الدراسات ثقافة فنية ونفسية واجتماعية لم تتوافر إلاّ في العصور الحديثة كما هو واضح. ولا أدل على ذلك من ملاحظتنا لكتب البلاغة التي تنصب قواعدها على الظواهر (الجزئية) التي لا تتجاوز صعيد العبارة المفردة أو الجملة، عدا قاعدة واحدة هي ما يطلق عليه مصطلح (حسن الاستهلال والتخلص والختام). وهذه القاعدة ـ كما هو واضح ـ لا تتناول إلاّ جانباً واحداً من عمارة النص، ألاّ وهو كيفية استهلاله بهذا الموضوع أو ذاك، وكيفية الانتقال منه إلى الموضوع المستهدف، وكيفية الختام.
أما المعاصرون، فقد أتيح لهم أن يتوفروا على هذا الجانب كما قلنا، إلاّ أن الدارسين والنقاد ممن نشأ في أحضان الثقافة العلمانية قد انصب اهتمامهم على دراسة النصوص البشرية في ميدان الرواية والمسرحية والقصيدة، دون أن يوفقوا إلى دراسة النص المعجز (القرآن الكريم)، عدا القلة التي أتيح لها أن تتناول القرآن الكريم من خلال الرؤية البلاغية الجديدة. لكن حتى في نطاق هذه القلة نجد أن الاهتمام قد انصب امّا إلى عناصر جديدة مثل العنصر القصصي أو على التصورات الجديدة لعنصر (الصورة الفنية)، أو العنصر اللفظي أو الايقاعي، وهي جميعاً لا تجسد إلاّ الدراسة (التجزئية) التي تتناول القصة أو الصورة أو الايقاع بنحو منفصل عن عمارة السورة الكريمة، عدا بعض الدارسين الذين اتيح لهم أن يدرسوا النص القرآني الكريم من خلال عمارة السورة إلاّ أنهم لأسباب نجهلها لم يتح لهم أن يتناولوا إلاّ بعض السور دون أن يتوفروا على دراستها جميعاً. وأياً كان سبب ذلك، فإن ملاحظة هذا الخلل في الخلل في الدراسات القرآنية، شكلت حافزاً إلى محاولة دراسة السور القرآنية جميعاً من خلال عمارتها، حيث إضطلع كتاب (دراسات في عمارة السورة القرآنية) بمعالجة هذا الجانب.
**
وقد يتساءل: ما هو المسوغ الفني لدراسة السورة القرآنية من خلال عمارتها التي تعني: دراسة النص من خلال ارتباط الآيات بعضها مع بعضها الاخر؟ ونجيب على ذلك.
إن هدف أي نص علمي أو أدبي هو: لفت نظر المتلقي إلى حقيقة معينة من جانب، ولفت نظره إلى ما يواكبها من حقائق عامة مكملة لها من جانب آخر. فمثلا لو وقفنا عند سورة الكهف، لواجهنا حقيقة معينة تقول (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(١)،

١ـ الكهف: ٤٦.