الفطرة
الشيخ محمد مهدي الآصفي
(فأقم وجْهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(١).
توضيح للآية الكريمة:
تتألف هذه الآية المباركة من المقاطع الآتية:
(فأقم وجْهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعْلَمونَ).
نتناول توضيحها إن شاء الله تعالى مقطعا بعد آخر.
١ـ فأَقْم وجهك للدّين حنيفا:
أي وجه وجهك للدين، ومن يوجه وجهك للدين فإن الدين لا محالة ينظم حياته، وحركته كلها. تأمر بالاستقامة على نهج الدين، وصراطه الذي رسمه الله تعالى للناس، والحنيف بمعنى الميل إلى الفطرة، وهو ما ذكرناه من الاستقامة على نهج الله تعالى في هذا الدين.
٢ـ فِطْرة اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ علَيْها:
والله تعالى اشتق هذا الدين من فطرة الناس، وتكوينهم الذي خلقهم عليه. ففي هذا الدين استجابة لكل متطلبات الفطرة، واستيعاب لكل حاجات الإنسان في الحالات السويّة، واستيعاب لكل شخصية الإنسان بأبعادها المختلفة. وذلك لأن الذي رسم نهج هذا الدين للناس هو الذي خلق الناس، فهو أدرى بما يصلحهم، وما يفسدهم وما ينفعهم، وما يضرّهم.
٣ـ لا تَبْديلَ لخَلْق اللهِ:
وخلق الله ونظامه وقانونه في التكوين ثابت لا يتغير، ولا يجري التغير في ما خلق الله تعالى من نظام التكوين بين عصر وعصر، ولا بين مكان ولا مكان، فالغريزة التي أودعها الله في خلق الإنسان لا تختلف من عصر إلى عصر، ولا زمان إلى زمان، لا تختلف متطلبات الغريزة وحاجاتها. كذلك (الحياء) و(العفة) اللذان خلقهما الله تعالى في نفس الإنسان لا يختلفان من عصر إلى عصر، ولا مكان إلى مكان. والدين الذي يستجيب لحاجات الإنسان الثابتة في تكوينه وفطرته لا محالة لا يتغير، وهذا أصل مهم في معرفة نهج هذا الدين في الاستجابة لحاجات الإنسان، ومعالجة مشاكله.