ميزان التفسير وعدّة المفسر
الشيخ إبراهيم الأنصاري*
مقدمة:
ذكر سيدنا الأستاذ الطباطبائي (قدس سرّه) في مقدمة تفسيره القيّم (الميزان): أن المفسّرين باعتبار ما عندهم من المسلّمات العقلية أو النقلية، كل واحد منهم فسّر القرآن طبق مسلكه، فالمحدّثون نظروا إلى الأحاديث الموجودة بأيدهم - مع اشتمالها على الغثّ والسمين والأكاذيب والإسرائيليات والمتشابهات وغيرها - نظرهم إلى القرآن في حجيتها سندّا ودلالةً، مع ما في إسنادها من الدسّ والكذب والإرسال، وما في دلالتها من الإجمال والتشابه والسُّقط وغير ذلك، مضافًا إلى اشتمال مداليلها على مطالب منكرة مخالفة لصريح القرآن.
فانجرّ الأمر إلى جعل القرآن تابعًا للحديث بعدما كان متبوعًا، والنظر إلى الحديث حاكمًا على القرآن بعدما كان شارحًا، وتبدلّه إلى مؤول بعدما كان مفسّرًا.
ثم جاء بعدهم أصحاب الكلام على اختلاف آرائهم فحملوا على القرآن ما لا يتحمّله من الآراء السخيفة والمتناقضة، على نحوٍ كأنّ القرآن عند أهل كلّ فرقة لم ينزل إلا لتأييد مذهبهم.
ثم دخلت الفلسفة اليونانية وبرع فيها جماعة من المسلمين فتعاملوا مع القرآن مثل من سبقهم من تأويل القرآن وتطبيقه على آرائهم.
وكذلك كان أمر المؤرخين والقصّاصين وغيرهم من أصحاب العلوم.
وفي القرون الأخيرة جاء جمع من المثقفين المتعبّدين بالآراء الجديدة والنظريات المادّية المبنيّة على الحسّ والتجربة وإنكار ما خالفها كائنًا ما كان، وبدأوا بتأويل القرآن على طبق ما تسلّموه من النظريات الجديدة، وتطبيقها على الآيات بالتكلّفات الباردة والتأويلات غير الملائمة.