الفهم الاجتماعي للنص في فقه الإمام الصادق عليه السلام
السيد محمد باقر الصدر
أكبر الظن أنها أول مرة اقرأ فيها لفقيه اسلامي, من مدرسة الإمام الصادق (ع) أوسع نظرية لعنصر الفهم الاجتماعي للنص, يعالج فيها بدقة وعمق الفرق بين المدلول اللغوي – اللفظي – للنص, والمدلول الإجتماعي, ويحدد المدلول الإجتماعي حدوده المشروعة.
وبالرغم من أن الفقهاء في ممارستهم للعمل الفقهي ومجالات الاستنباط من النص, يدخلون عنصر الفهم الإجتماعي ويعتمدون عليه في فهم الدليل, الى جانب العنصر الآخر الذي يمثل الجانب اللفظي من الدلالة.
غير أنهم لا يبرزون في الغالب الجانب اللفظي من علميه فهم الدليل, والجانب الاجتماعي بوصفهما جانبين متميزين لكل منهما ملاكه وحدوده, بل يبرز الجانبان في مجالات التطبيق مزدوجين وتحت اسم واحد وهو الظهور.
كانت هذه المرة الأولى التي قرأت فيها ذلك عن عنصر الفهم الاجتماعي للنص : هي حين قرأت بعض أجزاء المجدد الخالد (( فقه الامام الصادق )) الذي وضعه شيخنا الحجة الكبير الشيخ (( محمد جواد مغنية )) الذي حصل الفقه الجعفري على يده في هذا الكتاب المبدع على صورة رائعة في الأسلوب والتعبير والبيان.
فقد قرأت في هذا الكتاب الجليل التأكيد على عنصر الجانب الإجتماعي من فهم الدليل والتمييز بينه وبين الجانب اللفظي الخالص في مواضع عديدة منه.
ولكي نشرح فكرة الكتاب عن الفهم الإجتماعي للنص ونعرف محتوى هذا الفهم ودوره في استنباط الحكم من النص, يجب أن نتحدث في البداية عن الظهور.
حجية الظهور
من الأمور المتفق عليها بصورة مبدئية في علم الأصول, المبدأ القائل بحجية الظهور, وهو المبدأ الذي يحتم أن نفسر كل خطاب شرعي على ضوء ظهوره ما لم توجد قرينة على الخلاف. والظهور – كما تقرره البحوث الأصولية التي تدرس هذا المبدأ – عبارة عن درجة خاصة من دلالة الكلام, وهي الدرجة التي تجعل المعنى الذي نشير اليه ظاهراً من الكلام وأكثر انسجاماً معه من أي معنى آخر. فاللفظ قد يصلح للتعبير عن عدد من المعاني ولكنه يظل ظاهراً في معنى خاص من تلك المعاني كلفظ الاسد, قد تستخدمه للتعبير عن الحيوان المفترس, فنقول : الاسد ملك الغابة, وقد تستخدمه للتعبير عن شجاعة الإنسان, فتقول هذا الإنسان أسد ولكن كلمة الاسد حين ينظر اليها بصورة منفصلة عن القرائن الخاصة نجد أنها ظاهرة فى المعنى الأول.