اصول النحو وصلته بأصول الفقه
الدكتور مصطفى جمال الدين
الأُصول، في اللغة: جمع أصل وهو : «أسفل كلّ شيء». وقال الراغب : «أصل الشيء قاعدتُهُ التي لو تُوهِّمت مرتفعةً لارتفع بارتفاعها سائرُهُ، لذلك قال تعالى : (أصلُها ثابت وفرعها في السماء).
ويطلق الأُصوليّون كلمة «أصل» على معان منها :
١ - (الدليل) أو المصدر الذي يستندون إليه في استنباط الحكم الشرعي، فيقولون مثلاً : «الأصل في هذه المسألة : آية المائدة» أو : «الأصل : حديث ابن مسعود» وأمثال ذلك.
٢ - ومنها (القاعدة الأُصولية) التي مهّدوها لكيفيّة استنباط الحكم من الدليل، كقولهم : «الأصل أنّ النصّ مقدّم على الظاهر» و«الأصل أنّ عامّ الكتاب قطعيّ» وهكذا.
٣ - ومنها أنّ كلمة الأصل تطلق على «الوظيفة» التي يعمل بها المكلَّف عند عدم عثوره على دليل من الأدلّة التي يستنبط منها الحكم إلى أن يعثر على الدليل، فيقال : «الأصلُ براءةُ الذمّة»، أو : «الأصلُ استصحابُ الحال السابقة»، أو : «الأصل الاحتياطُ».
٤ - ومنها ما يقابل الفرع في العملية القياسية، فيقولون : «الخمر أصل النبيذ» أي إنّ حكم النبيذ ينبني على حكم الخمر، لتساويهما في العلّة.
٥ - ومنها ما يدلّ على «الرجحان»، فيقولون : «الأصل الحقيقة» أي إذا تردّد الأمر بين حمل الكلام على الحقيقة أو المجاز فإنّ الحقيقة أرجح.
ولعلّ المعاني الثلاثة الأُولى هي الأقرب إلى ما نسمّيه ب«أصول الفقه» فإنّ أُصول الفقه تعني : الأدلّة التي يستنبط منها الفقه، كما تعني القواعد التي تتمّ بها عملية الاستنباط من الأدلّة، وتعني أيضاً الأُصول العملية التي نجري عليها عند خفاء تلك الأدلّة، وهذه الثلاثة تشترك بالمعنى اللغوي للأصل، أي : «الأساس الذي ينبني عليه الشيء».
وفي تشخيص الأدلّة والأُصول العملية اتّفق الأصوليون على : النصّ الشعري - من الكتاب والسُّنّة - والإجماع، ثم اختلفوا، بعد ذلك، في أدلّة ما لا نصّ فيه : القياس، ودليل العقل، والاستحسان، والاستصحاب والمصالح المرسلة، وغيرها.