المصادر الأولية لعلم الرجال
الشيخ جعفر السبحاني
اهتمَّ علماء الشيعة من عصر التّابعين إلى يومنا هذا بعلم الرجال، فألَّفوا معاجم تتكفّل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم، وأوَّل تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الأوَّل هو كتاب «عبيد اللّه بن أبي رافع» كاتب أمير المؤمنين(ع) حيث دوِّن أسماء الصَّحابة الَّذين شايعوا عليّاً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفّين والنهروان، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.
وألَّف عبد اللّه بن جبلة الكناني (المتوفي عام ٢١٩) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني إلى أوائل القرن الثالث، كتباً في هذا المضمار، واستمرَّ تدوين الرجال إلى آخر القرن الرابع.
ومن المأسوف عليه، أنَّه لم تصل هذه الكتب إلينا، وإنَّما الموجود عندنا - وهو الّذي يعدّ اليوم أصول الكتب الرجالية(١) - ما دوّن في القرنين الرابع والخامس، وأليك بيان تلك الكتب والأصول الّتي عليها مدار علم الرجال، وإليك أسماؤها وأسماء مؤلّفيها وبيان خصوصيّات مؤلَّفاتهم.
١- رجال الكشّي
هو تأليف محمَّد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي، والكشّ - بالفتح والتَّشديد - بلد معروف على مراحل من سمرقّند، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا، غير أنَّ النَّجاشي ضبطه بضمِّ الكاف، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف «مساحة الأرض والبلدان والأقاليم» بفتح الكاف وتشديد الشّين، وقال: «بلد من بلاد ما وراء النَّهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ».
وعلى كلِّ تقدير، فالكشّي من عيون الثِّقات والعلماء والأثبات. قال النَّجاشي: «محمَّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي أبو عمرو، كان ثقة عيناً. وروى عن الضُّعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرَّج عليه في داره الّذي كان مرتعاً للشّيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة»(٢).
وقال الشيخ في الفهرس: «ثقة بصير بالأخبار والرِّجال، حسن الاعتقاد، له كتاب الرجال»(٣).
وقال في رجاله: «ثقة بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب»(٤).
وأمّا أستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمَّد بن مسعود بن محمَّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة... قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث