الحدة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم. ( نهج البلاغة ٤: ٥٦)        إسع في كدحك ولا تكن خازناً لغيرك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      لا تظنن بكلمة خرجت من أحدٍ سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً. ( نهج البلاغة ٤: ٨٤ )      في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه. ( نهج البلاغة ٤: ٩١)      
البحوث > الرجالية > الحاجة إلى علم الرجال الصفحة

الحاجة إلى علم الرجال
الشيخ جعفر السبحاني
لقد طال الحوار حول الحاجة إلى علم الرجال وعدمها، فمن قائل بتوقّف الاستنباط عليه وأنّ رحاه يدور على أمور، منها العلم بأحوال الرواة، ولولاه لما تمكّن المستنبط من استخراج كثير من الأحكام عن أدلّتها، إلى قائل بنفي الحاجة إليه، محتجّاً بوجوه منها: قطعيّة أخبار الكتب الأربعة صدوراً، إلى ثالث قال بلزوم الحاجة إليه في غير ما عمل به المشهور من الروايات، إلى غير ذلك من الأنظار، وتظهر حقيقة الحال ممّا سيوافيك من أدلّة الأقوال، والهدف إثبات الحاجة إلى ذاك العلم بنحو الإيجاب الجزئي، وأنّه مما لا بدِّ منه في استنباط الأحكام في الجملة، في مقابل السلب الكلّي الّذي يدّعي قائله بأنه لا حاجة إليه أبداً، فنقول:
استدّل العلماء على الحاجة إلى علم الرجال بوجوه نذكر أهمَّها:

 الأول حجية قول الثقة
لا شكَّ أنِّ الأدلة الأربعة دلَّت على حرمة العمل بغير العلم قال سبحانه وتعالى: (قل اللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون)(١) وقال - عزَّ من قائل: (ولا تقف ما ليس لك به علم)(٢) وقال أيضاً: (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إنَّ الظنِّ لا يغني من الحقَّ شيئاً)(٣).
وأمّا الروايات الناهية عن العمل بغير العلم فكثيرة لا تحصى، يقف عليها كلّ من راجع الوسائل كتاب القضاء الباب «١٠ - ١١ - ١٢» من أبواب صفات القاضي فيرى فيها أحاديث كثيرة تمنع من العمل بغير العلم غير أنَّه قد دلت الأدلّة الشرعّية على حجّية بعض الظنون، كالظَّواهر وخبر الواحد إلى غير ذلك من الظنون المفيدة للاطمئنان في الموضوعات والأحكام، والسرّ في ذلك هو أنِّ الكتاب العزيز غير متكفّل ببيان جميع الأحكام الفقهيّة، هذا من جانب. ومن جانب آخر إنِّ الإجماع الكاشف عن قول المعصوم قليل جدّاً. ومن جهة ثالثة أنَّ العقل قاصر في أن يستكشف به أحكام اللّه، لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الأحكام الشرعية.
نعم هو حجّة في ما إذا كانت هناك ملازمة بين حكم العقل والشرع، كما في إدراكه الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها، ووجوب الشّيء وحرمة ضدّه، والملازمة بين حرمة الشّيء وفساده، إلى غير ذلك من الأمور الّتي بحث عنها الأصوليون في باب الملازمات العقلية.

(١) سورة يونس، الآية: ٥٩.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٣٦.
(٣) سورء يونس، الآية: ٣٦.