اللسان سبع إن خلي عنه عقر. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر. ( نهج البلاغة ٤: ٣٦)       ليس كل طالب بمرزوق ولا كل مجمل بمحروم. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٦)      قيمة كل امرئ ما يحسنه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      
البحوث > المتفرقة > الزواج المؤقت بين المشروعية والانحراف الصفحة

الزواج المؤقّت بين المشروعيّة والانحراف
الشيخ حسين علي المصطفى
المدخل(١):
الدين الإسلامي ـ دونما شكّ ـ لا ينتقص من أهمية الجنس ولا ينكره، بل على ـ العكس تماماً ـ يضفي عليه معنى رفيعاً ويجلّله بالإيجابية الكاملة، الأمر الذي يزيل أيّ أثرٍ للشعور بالإثم أو الخطيئة. وتبعاً لهذا المنظور فإنّ الإسلام يسمح للغريزة أن تتجلّى ببهجة وصفاء ـ بحيث تصبح الحياة صيغة متكاملة ـ فتسعى جاهدة للحصول على رضا الله من جهة، وممارسة الجنس وفقاً لأخلاقيات راقية من جهة اُخرى، ممّا يعني أنّ حياة المسلم اليومية تتضمن في جوهرها حواراً مستتراً ومستمراً مع الله في جانب، وحواراً ثانياً بين الذكر والاُنثى في الجانب الآخر، بغية أن تصير الحيـاة محاولة دؤوبة ومتصلة لدمج الدين والجنس ـ الذي من خلاله يبقى نسل البشرية متصلاً ـ في المجتمع.
يقول ـ تعالى ـ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً)(٢). ويعلن في موضع آخر من الكتاب الشريف: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٣). فتُرجع الشريعة طبيعة العلاقات الجنسية إلى جانبين معاً: التكامل والمتعة، ولهذا نجد أنّ أعمال البدن ليس مشروعاً فحسب طبقاً لمشيئته ـ تعالى ـ وانسجاماً مع النظام الكوني، بل إنّه في الأساس آية من آيات الله الكبرى وعلامة على قدرته. بَيْد أنّ الدين حافظ على عمق هذه العلاقة الحميمة في إطار الجنس المشروع، وحذّر غاية التحذير من انحرافه والخروج به عن خط التشريع والقانون الشرعي الذي وضع للعلاقة حدوداً وضوابط مهمة بين الأجناس.
ويرفض الإسلام بشدة اتباع أساليب شاذة لإشباع الرغبة الجنسية؛ لأنّها تعمل في اُطر مخالفة لتآلف الجنسين، ولذلك يعتبرها الإسلام أنماطاً فاسدة غير متفقة ومنهج الحياة وفطرتها، تدفع الإنسان إلى مغاليق اللّبس والغموض لتؤدي في النهاية إلى تخريب النظام الكوني بأسره. ولهذا تحيط لعنة الله بالمرأة الغلامية، والرجل المخنّث، وتلحق أيضاً هؤلاء الذين يمارسون الاستمناء أو اللواط أو المساحقة أو إتيان البهائم؛ لأنّها أساليب منحرفة تعني في جوهرها رفض الإنسان لنوعه، ومن ثمّ اتخاذه مظهر النوع الآخر ووضعه. ونحن هنا بصدد الحديث عن نوع من أنواع المتع التي حلّلها الإسلام كتاباً وسُنّة، وهو المعروف بزواج المتعة الذي شغل بال كثير من فقهاء المسلمين فيما يتعلّق بديمومة مشروعيته، ودار سجال عنيف بينهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن نشرت مجلّة المجلّة في عددها (١٠٦٨)، الصادر بتاريخ ٥ جمادى الأولى ١٤٢١، ملفاً عن زواج المتعة، اتصل الكاتب والصحفي السعودي المعروف الاُستاذ علي العميم بابن عمي الاُستاذ حسن مهدي المصطفى يطلب منه أن يكتب أحد المتخصصين في العلوم الإسلامية من الشيعة الإمامية موضوعاً عن المتعة من وجهة نظر الشيعة، وستقوم المجلّة نفسها بنشره والاعتناء به، وفاتحني ابن عمي بالموضوع فقبلت بشروط وافق عليها الاستاذ العميم نفسه. فأفرغت وسعي وكتبت هذا البحث، وبعثت به عبر الفاكس إلى الاستاذ علي، وبدوره صّف بتمامه من قِبل المجلّة المذكورة، فشكرته على هذا الاهتمام. ومضت أربعة أسابيع على آخر اتصال، ولم أجد للبحث أثراً يُذكر في صفحات المجلّة، ولا أجد لهذ الإهمال سبباً مقنعاً.
(٢) النساء: ١.
(٣) البقرة: ١٨٧.