إتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق. ( نهج البلاغة ٤: ٥٤)      أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان. ( نهج البلاغة ٤: ٢٠)        قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً. ( نهج البلاغة ٤: ١٠)      
البحوث > المتفرقة > جذور حركة الإجتهاد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام الصفحة

جذور حركة الاجتهاد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
توطئة
إنّ إفراد مدرسة خاصة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وتمييزها عن غيرها من المدارس الإسلامية لم يأت جزافاً أو محاكاة لدعوى مدارس أُخرى، وإنّما هو في الحقيقة تطبيق لوصية رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ التي أودعها أمّته في قوله المشهور بحديث الثقلين: ((إنّي تارك فيكم أمرين إنْ أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله عزّ وجلّ وأهل بيتي عترتي. أيها الناس، اسمعوا وقد بلّغت. إنكم ستردون عليّ الحوض فأسألكم عمّا فعلتم في الثقلين، والثقلان كتاب الله جلّ ذكره وأهل بيتي، فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم))(١)، وكذلك انطلاقاً من الأوامر الإلهية المتضافرة في إعداد وإبراز هذه المدرسة وجعلها معلماً إلهياً لمن أراد إليه سبيلاً. وقد حكت هذه الحقيقة المئات من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومنها:
١ ـ آية التطهير: (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٢) فقد روي عن ام سلمة زوج النبي أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان في بيتها على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً)) فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فأخذ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بفضلة إزاره فغشّاهم إيّاها ثم اخرج يده من الكساء وأومأ إلى السماء ثم قال: ((اللهم هؤلاء اهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الاصول من الكافي (كتاب الحجة) ١: ٢٩٤، وينابيع المودة: ٣٤ باختلاف في بعض الالفاظ واضافة «ولا تخلفوا عنهم».
(٢) الاحزاب: ٣٣.
{ ٢ {
وفي رواية اُخرى أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: ((الصلاة يا اهل البيت الصلاة (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)))(١).
٢ ـ آية المودة: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(٢)فعن ابن عباس قال: «لما نزل قوله تعالى: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((علي وفاطمة وابناهما))(٣).
٣ ـ آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(٤) وقد نزلت هذه الآية في قضية المباهلة، وهي كما رواها المؤرخون والمفسرون والرواة أنّ وفداً من نصارى نجران جاء ليحاجج رسول الله ويحاوره، فأمره الله سبحانه بهذه الآية المباركة أن يدعو علياً وفاطمة والحسن والحسين ويخرج بهم إلى الوادي، وأن يدعو النصارى ابناءهم ونساءهم ويخرجوا معهم ثم يدعو الله بأن ينزل العذاب على الكاذبين.
قال الزمخشري في الكشاف: «إنّهم لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب ـ وكان ذا رأيهم ـ : يا عبد المسيح، ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمداً نبي مرسل، وقد جاءكم بالفصل من امر صاحبكم. والله ما باهل قوم نبيّاً قط فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكن، فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والاقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) ابن مردويه عن ابن ابي شيبة واحمد والترمذي وحسنه، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه عن انس. يراجع: الميزان للطباطبائي لمتابعة هذه المصادر في تفسير آية التطهير.
(٢) الشورى: ٢٣.
(٣) غاية المرام، في تفسير الآية.
(٤) آل عمران: ٦١.
{ ٣ {
فأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: ((إذا أنا دعوت فامّنوا)) فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا. قال: ((فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم)). فأبوا، فقال: ((فإني أُناجزكم)) فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي اليك كل عام ألفي حلة; ألف في صفر والف في رجب، وثلاثين درعاً من حديد. فصالحهم على ذلك، وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((والذي نفسي بيده، إنّ الهلاك قد تدلّى على اهل نجران، ولو لاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران واهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا)).
ثم استطرد الزمخشري في حديثه عن تفسير آية المباهلة ومقام اهل البيت ـ عليهم السلام ـ بعد أن استشهد على عظيم مكانتهم بحديث عائشة، قائلاً: (وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانتهم، وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الانفس مفدون بها. وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام، وفيه برهان واضح على صحّة نبوة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأنه لم يَرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم اجابوا إلى ذلك)(١).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الزمخشري: تفسير الكشاف، في تفسير آية المباهلة، وكذا جاء في تفسير الثعالبي عن مجاهد والكلبي.
{ ٤ {
٤ ـ آية التبليغ: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(١).
وكان نزول هذه الآية في غدير خم. وفيما يلي بيان ذلك: لما صدر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع(٢) نزلت عليه في الثامن عشر من ذي الحجة(٣) هذه الآية. فنزل غدير خم من الجحفة(٤) وكان يتشعب منها طريق المدينة ومصر والشام، ووقف هناك حتى لحقه من بعده ورد من كان تقدم(٥)، ونهى اصحابه عن سمرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهنّ، ثم بعث اليهن فقّم ما تحتهن من الشوك ونادى بالصلاة جامعة(٦) فصلّى الظهر بهجير(٧)، ثم قام خطيباً فحمد الله واثنى عليه وذكر ووعظ وقال ما شاء الله أن يقول ثم قال: ((إنّي أُوشك أن أُدعى فأجيب، وإني مسؤول وانتم مسؤولون، فما انتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك بلّغت ونصحت فجزاك الله خيراً. قال: أليس تشهدون أن لا اله الاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنّة حق وأن النار حق؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد، ثم قال: ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: يا أيّها الناس، إني فرط وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المائدة: ٦٧.
(٢) مجمع الزوائد ٩: ١٦٣ ـ ١٦٥.
(٣) رواه الحاكم الحسكاني ١: ١٩٢ ـ ١٩٣.
(٤) مجمع الزوائد ٩: ١٦٣ ـ  ١٦٥، وتاريخ ابن كثير ٥: ٢٠٩  ـ ٢١٣.
(٥) تاريخ ابن كثير ٥: ٢١٣.
(٦) مسند احمد ٤: ٢٨١، وسنن ابن ماجة، باب فضل علي، وتاريخ ابن كثير ٥: ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٧) مسند احمد ٤: ١٨١، وسنن ابن ماجة، باب فضل علي، وتاريخ ابن كثير ٥: ٢١٢.
{ ٥ {
فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله طرف بيد الله وطرف بايديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدلوا، وعترتي اهل بيتي، وقد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. سألت ذلك لهما ربي، فلا تَقدَّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم))(١). ثم قال: ((ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله(٢)، قال: ((ألستم تعلمون ] أو تشهدون [ أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟)) قالوا: بلى يا رسول الله(٣)، ثم اخذ بيد علي بن ابي طالب بضبعيه فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما. ثم قال: ((ايها الناس، الله مولاي وأنا مولاكم(٤)، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(٥) وانصر من نصره واخذل من خذله(٦). واحب من احبه وابغض من أبغضه(٧) ـ ثم قال ـ: اللهم اشهد))(٨).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) مجمع الزوائد وبعض ألفاظه في روايات الحاكم ٣: ١٠٩ و١١٠، وابن كثير ٥: ٢٠٩.
(٢) مسند احمد ١: ١١٨ ـ ١١٩ و٤: ٢٨١، وسنن ابن ماجة ١: ٤٣، ح١١٦.
(٣) مسند احمد ٤: ٢٨١ و٣٦٨ و٣٧٠و٣٧٢، وابن كثير ٥: ٢٠٩و٢١٢.
(٤) الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١: ١٩١، وعند ابن كثير ٥: ٢٠٩ «وانا مولى كل مؤمن».
(٥) مسند أحمد ١: ١١٨ ـ ١١٩، و٤: ٢٨١ و٣٧٠ و٣٧٢ و٣٧٣، و٥: ٣٤٧ و٣٧٠، ومستدرك الحاكم ٣: ١٠٩، وسنن ابن ماجة، والحاكم الحسكاني ١: ١٩٠ ـ ١٩١، وتاريخ ابن كثير ٥: ٢٠٩ و٢١٠ ـ ٢١٣.
(٦) مسند احمد ١: ١١٨ ـ ١١٩، ومجمع الزوائد ٩: ١٠٤ و١٠٥ و١٠٧، وشواهد التنزيل ١: ١٩٣، وتاريخ ابن كثير ٥: ٢١٠ و٢١١.
(٧) شواهد التنزيل للحسكاني ١: ١٩١، وتاريخ ابن كثير ٥: ٢١٠.
(٨) شواهد التنزيل ١: ١٩٠.
{ ٦ {
ثم لم يتفرقا ـ رسول الله وعلي ـ حتى نزلت هذه الآية: (الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي))(١).
وغير ذلك من آيات القرآن الكريم.
ولذا نجد أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك مناسبة مواتية إلاّ وأكد التعريف بأهل البيت ـ عليه السلام ـ ولزوم اتباعهم والانقياد لهم والالتحاق بمدرستهم الكبرى. منها:
حديث السفينة المشهور: وهو قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): ((إنما مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق))(٢).
وحديث الأمان من الاختلاف وهو قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، واهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف))(٣).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) رواه الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري ١: ١٥٧ و١٥٨، ح٢١١ و٢١٢، وعن ابن هريرة: ١٥٨، ح٢١٢، وابن كثير ٥: ٢١٤ بايجاز.
(٢) الفيروز آبادي، فضائل الخمسة ٢: ٦٥.
(٣) الشبراوي الشافعي، الاتحاف بحب الاشراف: ٢٠، أخرجه الحاكم في مستدرك الصحيحين ٣: ١٤٩ وقال عنه هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجه، كما اورده المتقي في كنز العمال (٦: ٢١٧) وذكره ابن حجر في صواعقه وصححه: ١٤٠.
{ ٧ {
وحديث الكساء الذي روته ام سلمة (رض) أنّه كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتها يوماً فأتته فاطمة(عليها السلام) ببرمة فيها عصيدة فدخلت بها عليه، فقال لها: ((ادعي لي زوجك وابنيك)) فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا وجلسوا يأكلون والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جالس على دكة وتحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة قريباً منهم، فأخذ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الكساء، فغشاهم به ثم قال: ((اللهم اهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)) قالت: فأدخلت رأسي، قلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((إنك إلى خير، إنك إلى خير، فأنزل الله عزوجلّ: (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)))(١).
وحديث المودة المروي عن ابن عباس قال: «لما نزلت هذه الآية: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(٢) قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ((علي وفاطمة وابناهما)).
ومنها أيضاً ما روي من أن آخر ما تكلم به رسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو قوله: ((اخلفوني في اهل بيتي))(٣).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة في احوال الأئمة: ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) الشورى: ٢٣.
(٣) رواه السيوطي في احياء الميت نقلاً عن الطبراني في الأوسط بسنده عن ابن عمر: ٢٠، كما اخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ١٦٣، وأورده ابن حجر في الصواعق المحرقة: ٩٠.
{ ٨ {
وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): ((اذكركم الله في اهل بيتي))(١).
وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في موضع آخر: ((نحن اهل البيت لا يقاس بنا أحد))(٢).
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) حين خطب في الجحفة، فقال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإني سائلكم عن اثنين: عن القرآن واهل بيتي))(٣).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل علي بن ابي طالب بزيادة في ألفاظه (٤ من الصحيح: ١٨٧٣)، ورواه احمد بن حنبل في مسنده وفق ما رواه مسلم (ج٤ / ص٣٦٦ ـ ٣٦٧)، كما رواه المتقي في كنز العمال في الجزء الاول: ١٥٨ وفي الجزء السابع: ١٠٢، واورده السيوطي في تفسيره الدّر المنثور ٦: ٧، كما رواه أيضاً في كتابه احياء الميت: ١١.
(٢) الطبري، ذخائر العقبى: ١٧.
(٣) رواه السيوطي في احياء الميت نقلاً عن الطبراني بسنده عن المطلب بن عبد الله عن ابيه: ٣٨، كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٥: ١٩٥، ورواه أيضاً ابن الاثير في اسد الغابة ٣: ١٣٧، ورواه ابو نعيم في حلية الاولياء (ج٩/ ص٦٤) بسنده عن عليu.
{ ٩ {
وقد جمع امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ المرام في بليغ الكلام حين قال ((نحن ]اهل البيت[ شجرة النبوة ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم وينابيع الحكمة...))(١).
وقال ـ عليه السلام ـ أيضاً: ((أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا؟... بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى))(٢).
وقال ـ عليه السلام ـ : ((فانهم ]اهل البيت[ عيش العلم، وموت الجهل. هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق))(٣).
وقال ـ عليه السلام ـ أيضاً: ((فيهم ]اهل البيت[ كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن; إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يُسبقوا))(٤).
اذن فمدرسة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ هي في الحقيقة مدرسة الرسالة والرسول تنزيلاً وتأويلاً وتطبيقاً.
ولا نتجاوز الواقع إذا قلنا: إن الاحاطة التفصيلية بمعالم هذه المدرسة الالهية لا تتأتّى إلاّ بتظافر جهود متواصلة لا انقطاع لها يبذلها العلماء والمتبحّرون في علومها ومسيرتها، وهو ما اضطلع به لحد الآن الاساطين والأعلام منهم جزاهم الله خيراً عن الاسلام ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام).
وفي دراستنا المختصرة هذه نسلط الضوء على الجذور الاولية لاصل أساسي من اصول هذه المدرسة النبوية الكبرى، وهو الاجتهاد الذي تميزت به هذه المدرسة منذ نشوئها على يد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) نهج البلاغة.
(٢) نهج البلاغة.
(٣) نهج البلاغة.
(٤) نهج البلاغة.