أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)        لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)       المال مادة الشهوات. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)        الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      ما أكثر العبر وأقل الاعتبار. ( نهج البلاغة ٤: ٧٢)      
البحوث > المتفرقة > التزكية سبيل السعادة الوحيد الصفحة

التزكية سبيل السعادة الوحيد
الشيخ: محمد تقي مصباح اليزدي
ترجمة: عباس الأسدي
تقابل (التقوى) و(الفجور)
يستخدم في أي نظام أخلاقي مفهومان متضادان، أحدهما يدل على الأخلاق الحميدة، والآخر على الأخلاق الذميمة، واللفظ المشترك الذي يجمع بين هذه النظم في كلا المفهومين يختزل في كلمتي الخير والشر; ولكن ثمة مفاهيم أخرى تحمل معاني أرقى من المعاني التي يتضمنها مصطلحي الخير والشر، ومنها المفاهيم التي اوردتها آيات سورة الشمس، حينما استعملت مفهومي (الفجور) و (التقوى) تارة و(التزكية) و(التدسية) تارة أُخرى بدلاً من استخدام مصطلحي الخير والشر; ويفيد مفهوم الفجور والتقوى المعنى المنشود اكثر مما يفيده مفهوما الخير والشر، اذ يعالج السبب الذي يكمن وراء ضرورة اجتناب الاخلاق الذميمة، وهو خروجه عن حدوده الفطرية وضياعه; في مقابل ممارسة فعل الخير وكل ما يدخل ضمن الاخلاق الحميدة التي تحفظ الفطرة الانسانية وتحميها.
آيات اخرى في السورة المباركة اطلقت لفظي التزكية والتدسية عوضاً عن التقوى والفجور، ورغم أن التزكية والتقوى هما مصداقان للخير، إلا أنهما يحملان مفهومان مختلفان بعض الشيء، فالتقوى هي التزكية والفجور هو التدسية، لكن مفهوم التزكية يحمل في طياته معنىً اكبر مما يقدمه لنا مفهوم التقوى، ذلك أنه يحث على العمل، فضلاً عن انه يمنع عن النفس المخاطر ويحفظها من الرذائل، فمصطلح التزكية يفيد هذا المعنى اكثر مما يفيده مصطلح التقوى وبالمقابل، فإن ممارسة الفعل القبيح يؤدي إلى دخول عنصر مناقض للفطرة في الإنسان يفسده كما يفسد السم الحلوى عندما يُدس فيها(١).
دليل تقدم ذكر (الفجور) على (التقوى)
قد يطرح هنا سؤال عن سبب تقدم الفجور على التقوى في الآية: (فَألْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)(٢)، فيما تقدمت التزكية على التدسية في الآية: (قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)(٣)، فماذا يمكن أن يكمن وراء ذلك التقدم والتأخر؟
إن اول ما تنمو فيه ـ بطبيعته ـ هي الغرائز الحيوانية التي تولّد فيه الاتجاه المادي الذي يعتبر مصدراً للشر والفساد والتدسية، وبالطبع فإن اصل الغريزة الحيوانية ليست شراً بذاتها ; فالميل إلى

(١) التدسية: مصدر دَسّى، وأصل الفعل دسَّس، فلمّا توالت السينات قُلبت إحداهن ياءً، وهو من الدسّ بمعنى الاخفاء، وتدسية النفس: إغواؤها وإفسادها.
(٢) الشمس: ٨.
(٣) الشمس: ٩ ـ ١٠.