الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن أنت لم تأتِه أتاك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٥)      الطمع رق مؤبد. ( نهج البلاغة ٤: ٤٢)        ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      في عقب غيركم تحفظوا في عقبكم. ( نهج البلاغة ٤: ٦٦)      القناعة مال لا ينفد. ( نهج البلاغة ٤: ١٤)      
البحوث > المتفرقة > الجذور الأساسية للثوابت وارتباطها بالمتغيرات الصفحة

الجذور الأساسيّة للثوابت وارتباطها بالمتغيّرات
الشيخ محمد تقي الجعفري
لا تزال مباحث الثابت والمتغيّر والعلاقة بين مفهوميهما، وكذلك المباحث التي تتناول جذورهما الأساسيّة، موضع اهتمام بعض المفكّرين. وفي هذه البحوث نواجه حالة من الإفراط والتفريط، ففي مقابل آراء برمفيدس الذي ينكر الحركة والتغيير من جهة، وآراء هرقليدس من جهة أخرى، نجد الإفراط اللامعقول في آراء السفسطائيين الذين لا يؤمنون بأي ثابت.
ومن الواضح أنّه إذا أردنا إثبات مثل هذهِ القضايا في بعديها الإفراطي والتفريطي، فليس أمامنا طريق سوى المغالطة؛ لذلك فسوف نتجاوز طرح مثل هذهِ القضايا وسنقوم بتناول وإثبات هذهِ الحقيقة، وهو أنّ هنا حقائق في عالم الوجود على المستويين العلمي والعملي، وهذه الحقائق تُقسَّم بشكل أساسي إلى قسمين أساسيين هما: الثوابت والمتغيرات.
فهناك حقائق ثابتة سعى الإنسان إلى تتبّعها ومعرفتها منذ بدأ تاريخ المعرفة، والتي يمكن أنْ نتحرّك ونحاسب المتغيّرات المحسوسة على أساسها علميّاً(١). وإذا لم يعتقد الإنسان بوجود ثوابت ونظام شامل وراء الحسيّات عن طريق الفطرة السليمة والعقل السليم والمتابعة والبحث الحسّي والتجريبي، فبماذا نعلّل تكوّن الفلسفة والعلم على امتداد التاريخ؟ فالفلسفة والعلم من القضايا المبنيّة أساساً على القوانين الكليّة، والتي تقوم بالكشف عن الثوابت من خلال المتغيّرات.
وهذا الأمر يتّفق عليه جميع العلماء والباحثين القدماء والجدد الشرقيّين والغربيّين. والدليل العلمي على هذه القضيّة، هو الوضوح الكامل في هذهِ الحقيقة، وهي أنّ ما يقع في العالم العيني هو أجزاء محدّدة وواضحة ومرتبطة تابعة وغير قابلة للتكرار؛ ولهذا فليس هناك موجود وظاهرة عينيّة قابلة للتصديق والانطباق مع غير ذلك الموجود وتلك الظاهرة.
وعلى هذا الأساس فالقانون ـ القضيّة الكليّة ـ الذي ينطبق على جميع موارده ومصاديقه لا يمكن كشفه من الحسّيات العينيّة الجزئية والمحدودة.
من جهة أخرى ما نرى من القضايا والتي تسمّى: معلولات تنشأ ـ بدون استثناء ـ من مجموعة أخرى من الأشياء نسمّيها: العلل، ولا يمكن أنْ تكون شيئاً معلولاً وصـادرة من أي أمر آخر، أو أنّ يكون أحد الأمور شرطاً ـ علةً ـ ولا يكون شيئاً.
ونتيجة هاتين القضيّتين البديهيتين هي: أنْ نقبل بوجود ثوابت تستند إليها المتغيّرات الموجودة، وإلاّ وجب أنْ نقبل بحدوث أي شيء من أي شيء آخر بدون أي سبب وفي أي وقت كان.
وإنّ التفكير للإجابة على مثل هذه الخرافات هو من أسوأ أنواع الظلم للعقل والنفس، حتّى إنّ هرقليدس يقول: (لم أدخل مرّتين لنهر واحد)، ويرى أنّ النار حقيقة ثابتة وأبديّة.

(١) وهنا يجب إلاّ نغفل أنّ النفس الإنسانيّة تحاول بجديّة معرفة الأصول الثابتة في عالم الوجود، وهذهِ الحاجة الإنسانيّة هي غير حاجة المتغيّرات نفسها إلى الثوابت في عالم الوجود، وإنّ أحد المصاديق البارزة لهذا الميل هو السعي الدائم الذي تقوم به البشريّة لمعرفة النظام الثابت في عالم الوجود، وهذا الميل والسعي يستند إلى ذات النفس البشريّة.