التقنين بين النظم الوضعيّة ونظم السماء
السيد كاظم الحائري
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله الحكيم: (إنِ الْحُكْمُ إلاَّ للهِ)(١).
وقال عزّ اسمه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)(٢).
وقال سبحانه وتعالى: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)(٣).
وقال جلّ جلاله: (وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرَّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إنَّمَا أشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرَّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)(٤).
وقال عزّ من قائل: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا باِلْعُقُودِ)(٥).
لعلّ أحدث تعريف للقانون لدى علماء القانون هو: (مجموع القواعد التي تنظّم الروابط الاجتماعيّة).
أمّا كيف تتكوّن القوانين وعلى أيّ أساس ترسو قواعدها لكي يجب احترامها والالتزام بها، فهذا ما تاه فيه فقهاء النظم الوضعيّة كما تاهوا في جميع أبواب الفقه، ولا يترقّب ممّن يحجب عن نفسه نور السماء إلاّ أن يتيه في وادي الضلال. قال الله تعالى: ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقَِّ إلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(٦).
ولهم مذاهب شتّى في فهم القانون حينما تقاس بمذهب الإسلام تُرى (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(٧)
فمن المذاهب لديهم المذهب الشكلي، وهو المذهب الذي لا يعدو القانون عنده أن يكون مجرّد تعبير عن إرادة الدولة أو الهيئة الحاكمة يلتزم به الأفراد الذين يدينون لها بالخضوع والطاعة.
وهذا يعني الاقتصار على شكل القانون من أمر ونهي صادر من حاكم سياسي أو هيئة سياسيّة حاكمة من دون محاولة النفوذ إلى أعماق القانون والأسس وضرورة الالتزام بها.