الشريعة والأخلاق
الشيخ حسين علي المصطفى
يحمل الإنسان من الغرائز والشهوات والمطامع والمطامح ما لا تعرف الحدود، ولو تُرك وشأنه أسيراً لشهواته وغرائزه، لتضاربت المصالح والمطامع والطموحات فيه، ولعجز عن الوصول إلى أي هدف سامٍ ونبيل؛ ولهذا تطرح مسألة الأخلاق لتعديل هذه الغرائز، أو لتحدّ من تطرّف الغرائز وميلها عن المسار الصحيح، ولكن لم تستطع التوصيات الأخلاقية أن تسيطر على جميع غرائز الإنسان وتعدّلها، إذ لابدّ من شيء يعزّز من هذه المكامن الأخلاقية، وقد لاحظ العلماء أنّ أفضل شيء لهذا المجال هو شعور الفرد بأنّ هناك جزاء منوطاً بأي عمل ما، وهذا الجزاء ذو بعدين:
أوّلهما: الثواب، وذلك لمن التزم طريق العدالة واحترم الحقوق.
وثانيهما: العقاب لمن حاد عن ذلك.
ونحن لا يمكن أن نتلاحم مع هذين البعدين إلاّ تحت مظلة عقدية ودينية، لأنّها الجهة التي تؤمّن الرقابة والالتزام بمبدأ المسؤولية، كما نلاحظ أنّ المقوّمات الإنسانية لا تُرسم رسماً دقيقاً إلاّ تحت فيض إلهي ونبع رسالي، وهذا الفيض الإلهي والنبع الرسالي خير وسيلة لتنمية السجايا النبيلة في كيان الإنسان، وخير سبيل إلى تقوية الروح الإنسانية ودعمها التسلح بالأخلاق، يقول الله عزّ وجلّ: (أفَمَنْ أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١).
فالآية تؤكّد على أنّ البناء الأخلاقي لا يقوم إلاّ على أساس السير في طريق طاعة الله تعالى وتطبيق أحكامه الإلهية، وهي ـ بلا شك ـ عامل الثبات والبقاء، فإنّ كل بناء أُقيم على غير التقوى يكون بنياناً منهاراً لا محالة، وتلك هي القصة التي يريد الله للإنسان أن يعيشها في كل مواقفه في الحياة، لينطلق الموقف من القاعدة الثابتة في العقيدة والشعور والإرادة، .. فلا حركة إلاّ من فكرة، ولا فكرة إلاّ من قاعدة، وكلما اقترب الإنسان من الله كلما كانت حساباته دقيقة في كل شيء؛ لأنّه الأساس في كل خير وحق وثبات(٢)، فينتج أنّ الدين هو أفضل دعامة للأخلاق، ومن هنا يتبيّن خطأ من يقول: إنّ القانون وحده قادر على تنظيم العلاقات، أو رسم الحدود أو تحديد الحقوق والالتزامات المختلفة. يقول صامويل بريتان(Samuel Brittan) : (إنّ أكبر خطأ يرتكبه المكابرون المتشككون هو التقليل من شأن دور الشرعية الأخلاقية في الأفعال البشرية، فلا يمكن لأية منظمة بشرية أن تنجح في القيام بعملها بدون نوع من القواعد التي تكبح السعي وراء المصلحة الخاصة)(٣).