الإمام علي ـ عليه السلام ـ والمعارضة السياسية
صلاح عبد الرزاق
(هولندا)
مقدّمة
المعارضة ظاهرة اجتماعية ـ سياسية تنشأ في المجتمعات بسبب الاختلاف في الآراء والمواقف والفكر والسلوك. وقد مارس الأنبياء ـ عليهم السلام ـ المعارضة الفكرية والعقائدية ضد الأوضاع السائدة في مجتمعاتهم، رافضين الواقع المنحرف، داعين إلى المنهج السوي نحو التوحيد والحق والعدل المنسجم مع الفطرة الانسانية السلمية. وتزعموا ـ عليهم السلام ـ المعارضة ضد الأنظمة الدكتاتورية، الفرعونية والنمرودية، التي كانت تستهين بعقل الانسان، وكرامة الفرد، وتنتهك حريته، وتستغله أسوء استغلال.
وعارض الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ القيم والمعتقدات الجاهلية، معلناً رفضه لها، ومتمسكاً بالهُدى ودين الحق، داعياً إلى رفع أقنعة الزيف والضلالة عن العقل، مؤكداً موقفه الرافض لكل أنواع المساومة على دينه. فكان رمزاً للثبات والاخلاص على العقيدة. وكان(صلى الله عليه وآله) يؤكد على أهمية التغيير وبذل كل الجهود في سبيل ذلك. فقد قال ـ صلى الله عليه وآله ـ: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان)). فشجع بذلك أهمية معارضة الانحراف في المجتمع الإسلامي، ومن أية جهة مصدره.
والقرآن الكريم يرسخ مفهوم معارضة الباطل وكل صور الضلالة، فيدعو المسلمين إلى مواجهة المنكر بكل أنواعه. فهو يشمل كل ألوان الانحراف عن المبادئ والقيم الانسانية والأحكام الشرعية، وعلى كافة المستويات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يقول تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)(١).
المعارضة السياسية قبل خلافة الإمام ـ عليه السلام ـ وبعدها
نشأت الدولة الاسلامية في ظل نظام قبلي عشائري محكم، وكان الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ قد وظّف هذا الشعور وهذه الرابطة القوية من أجل خدمة أهداف الإسلام العظيمة. فكانت الأحلاف والمعاهدات تتم مع القبائل بغرض توفير جو سلمي يسمح للدعوة الاسلامية بالانتشار بهدوء. فكان ـ صلى الله عليه وآله ـ يحرص على تفادي الحرب والقتال ـ قدر الإمكان ـ لأنها تؤدي إلى توتر الأجواء وتصاعد العصبيات والثارات والغضب والانتقام، فلا تبقى فسحة لمخاطبة العقل الذي يقود النفس البشرية، بل تبقى العواطف والانفعالات هي التي تحدد ملامح الشخصية، وتفرض نوع السلوك الذي تتخذه.