المجتمع المدني الاسلامي(١)
السيد محمد خاتمي
لا ادري هل ابدأ كلمتي هذه بطرح الآلام والمعاناة الراهنة، أم باستعراض الآمال والطموحات التي ينبغي ان تتحقق. أليس أحد الأهداف الكبرى للمؤتمر الاسلامي الوصول الى حلول مشتركة لمعالجة الآلام والتخطيط لوضع البلدان الاسلامية في المكانة اللائقة بها؟ ألا ينبغي من اجل بلوغ هذه الغاية السامية تجاوز الوضع الراهن وتوفير العلاج اللازم لآلامنا ومعاناتنا؟
ولا يتسنى علاج اي ألم إلا بعد معرفته بشكل دقيق ثمَّ التفكير والتدبر في كيفية العثور على أفضل دواء وانجح طريقة لعلاجه، وأخيراً عقد العزم على اتباع هذا الطريق وبلوغ الهدف.
ان معاناتنا الكبيرة هي أن الامة الاسلامية التي كانت يوماً حاملة لراية العلم والمعرفة والحضارة، اصيبت خلال القرون الاخيرة بالضعف والتخلف، وعانت الانهزامية المؤلمة مقابل الحضارة المهيمنة القائمة، حتى انها لم تتح لها الفرصة والقدرة على الاستفادة اللازمة من ثمرات ومعطيات هذه الحضارة.
إنَّ هزيمتنا التي دامت قروناً جاءت نتيجة أفول نجم حضارة كانت يوماً ما لامعة وضّاءة على جبين التاريخ. وان الحضارة السائدة الآن مدينة بحق لتلك الحضارة العظيمة، وآثارها ومظاهرها مازالت تدعو للاعجاب والثناء.
ان احياء تلك الحضارة ذاتها ليس ممكناً اليوم، لان سياقها الزمني قد انطوى. واذا افترضنا جدلاً انه ممكن فلن يكون مناسباً.
واذا كانت الحضارة تعني الاجابة عن التساؤلات التي تبحث عنها البشرية حول الوجود والكون والانسان. واذا كانت الحضارة ثمرة الجهود التي يبذلها الانسان لسد احتياجاته، فان الامر الثابت هو اصل التساؤل والحاجة لدى الانسان، بيد ان نمط وطبيعة التساؤلات والحاجات تتغير بتغيير الزمان والمكان.
ان كل حضارة تبقى قائمة مادامت قادرة على الاجابة عن التساؤلات المتجددة وتلبية الاحتياجات المنظورة للانسان، وإذا لم تقدر على ذلك ستزول وتتلاشى. فالحضارة امر بشري تولد وتزدهر وتأفل.
ـــــــــــــــــــــ
(١) نص كلمة السيد رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران التي القاها في افتتاح مؤتمر القمة الاسلامي الثامن الذي عقد في طهران بتاريخ ٩/١٢/١٩٩٧. وقد نشرنا المقطع الخاص باطروحة (المجتمع المدني الاسلامي)، والذي صار محوراً لعدد كبير من المؤتمرات والندوات والدراسات.