الدين والمجتمع المدني(١)
صادق اللاريجاني(٢)
موضوع هذه المقالة وان كان يدور حول معرفة طبيعة علاقة الدين بالمجتمع المدني، إلاّ ان الضرورة أملت علينا ان نمرَّ اولاً ـ وبشكل اجمالي ـ بنبذة تاريخية عن مفهوم المجتمع المدني في الفلسفة السياسية الغربية.
ولكن قبل كل شيء ينبغي ان تُضاء بعض النقاط بعنوان تنقيح موضوع البحث.
تنقيح موضوع البحث
لمعرفة طبيعة علاقة الدين بالمجتمع المدني، ينبغي ان تكون بين ايدينا اولاً معان وان إجمالية عن (المجتمع المدني) و (الدين) حتى يمكننا على اساس ذلك البحث عن طبيعة العلاقة فيما بينهما.
ينطوي (المجتمع المدني) في الفلسفة السياسية الغربية على تاريخ معقد. والغفلة عن هذا السياق التأريخي تستوجب عدم انضباط البحوث وخضوعها للميول، وتفضي الى الاشتراك اللفظي بلا وجه.
صحيح انَّ وضع الالفاظ يخضع للمواضعات، ومن ثمَّ فانَّ استخدام لفظ مثل (المجتمع المدني) في معنىً جديد تماماً، هو أمر لا اشكال فيه بحسب القاعدة، ولكن إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان الالفاظ تدل احياناً في مجال معين على معنىً ويكون لها مدلول عام، فعندئذ يمكن أن يؤدي وضع الاصطلاحات الجديدة الى اشتراك لفظي يولد الالتباس، ويكون من قبيل لزوم ما لا يلزم.
علاوة على انَّ الكثير من التعاريف الموجودة صادرة في الحقيقة تبعاً للرغائب ـ بدون ضابطة ـ . ونظرة عابرة لمطبوعاتنا تشير الى ان كل انسان يسوق لـ (المجتمع المدني) تعريفاً وفق مذاقه الخاص. فانصار المجتمع المدني يلصقون به كل ما يعرفونه من فضائل، ليعكسوا عن هذا الطريق تعريفهم الخاص له. اما المناوئون للمجتمع المدني فيلصقون به كل ما يعرفونه من الرذائل.
وفي وسط ذلك كله يبقى الانسان ذاهلاً وهو يتساءل: لماذا ابتعدت البحوث عن مجالها الاصلي كل هذا القدر، وراحت تساق الى مضمار البحوث اللفظية والتعاريف المزاجية غير المقيدة.
لقد فتح رئيس الجمهورية المحترم حجة الاسلام والمسلمين السيد خاتمي في كلمته المهمة القيمة التي القاها في مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الاسلامي الباب على مصراع آخر، عندما تحدث فيها عن (المجتمع المدني الاسلامي) الذي قال في معناه: (ان المجتمع المدني الذي نطالب باستقراره وتكامله في بلدنا ونوصي به الآخرين في جميع البلدان الاسلامية، يختلف ماهوياً بشكل جذري واساسي مع المجتمع المدني المنبثق عن الفكر الفلسفي اليوناني والتجارب السياسية لروما.