إحذروا نفار النعم، فما كل شارد بمردود. ( نهج البلاغة ٤: ٥٤)     من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )     من أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه. ( نهج البلاغة ٤: ٢٠)      ربّ قولٍ أنفذ من صول. ( نهج البلاغة ٤: ٩٤)      بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      
البحوث > المتفرقة > أصالتنا وتحديات التبعية المنهجية للغرب الصفحة

أصالتنا وتحديات التبعية المنهجية للغرب
الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
في عالمنا المعاصر الذي تميز بالتطور الهائل في وسائل الاتصال والوصال، واختراق تقنية الاعلام العالمي الحديث حدود الأقاليم والدول، مهما كانت صارمة وحديدية، وتعاظم الكم الكيفي في تبادل المعلومات والثقافات من أقصى الدنيا إلى أقصاها. أقول: في خضم هذا التطور الهائل ظهرت آثار خطيرة في آفاق الفكر والثقافة، إلى جانب الآثار الايجابية التي لا ينكرها منصف; وذلك أن خلطاً فاضحاً حصل في إطار هذا التبادل الاعلامي والثقافي في الكثير من المفاهيم والافكار التي تمثل لبنات النظريات والاطروحات القائمة بذاتها، ولعل من اكثرها تعرضاً لهذا الخلط نظريات واطروحات الإسلام في الحياة، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع أو الدولة  ، حتى أخذت هذه الحالة تهدد العقلية العامة للمسلمين، خصوصاً المثقفين منهم، بأن تتفهم عقائدها ونظرياتها الاسلامية على طبيعتها الذاتية ومعالمها الاصيلة، بعيداً عن مداخلات منهجية وصيغ واصطلاحات البيان والثقافة الاجنبية عليه، التي غالباً ما تأتي مشبّعة بخلفياتها النظرية والفكرية المعبرة عنها. ونحن نعرف أن من أراد معرفة مباني وحقائق مبدأ أو نظرية فكرية معينة، فعليه أن يحوطها بلغة ومنهج ذلك المبدأ أو تلك النظرية واصطلاحاتها الخاصة، ويتجنب اسقاطات وايحاءات طريقة التفكير الاجنبية واصطلاحاتها عليها.
ومن أبرز تلك الآثار الخطيرة والخلط الفاضح الذي طال الفكر والثقافة الاسلامية هي:
أولاً ـ شيوع استعمال اصطلاحات اجنبية زجّت في زحمة المقولات المستحدثة، وحمّلت بها لغة الخطاب الثقافي الاسلامي، كمصطلح الديمقراطية مثلاً، الذي أخذ يقترن عادةً بمقولة حق الشعوب في تقرير مصيرها، واختيارها شكل وطريقة تنظيم حياتها في مختلف المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية. وليست المشكلة الاساسية هنا تكمن في نفس هذه الاصطلاحات والمقولات  ، لو خلّيت ومفادها العلمي المحدد، وإنما المشكلة تكمن في عدم وحدة المفاد، وتعدد المراد الجدي للمتداولين والمستعملين لها في خطاباتهم الثقافية، خصوصاً إذا عرفنا أن مثل هذه المصطلحات لا  تتحدد بحدود مدلول اصطلاحها الاولي الذي وُضعت، له بل اتخذت صوراً ومدلولات مختلفة تحررت فيها من تلك الحدود الاولية ضيقاً وسعةً، كاستعمال الديمقراطية مثلاً في الخطاب الاسلامي بدعوى تجريدها من علمانيتها، لتعني ما يساوق مفهوم الشورى في الإسلام; وهنا يبرز خلط آخر; إذ إن الشورى يدّعى لها معنيان رئيسيان:
أحدهما، أنها الاساس الذي يثبت به جزء أو كل شؤون منصب الحكم والولاية العامة، وهو ما ذهبت إليه المذاهب الاسلامية العامة، بمعنى أن الولاية هي للمسلمين على أنفسهم، وهم يمنحونها بالطريقة التي يتوافقون عليها لمن يرونه مناسباً لها ضمن الضوابط العامة للانسان المسلم. ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة صحة هذا المعنى للشورى أو عدم صحته; فإن له محله، وإنما الذي يهمنا هنا هو أن القول بالشورى بهذا المعنى لا يقصد منه اصحابه ـ ولو نظرياً على الأقل ـ سلب الولاية