الديمقراطيات الغربية: نظرة نقدية
الدكتور أحمد نقيب زاده
وآخر تلك الدول التي لحقت بركب هذه المجموعة، ووافقت على تطبيق الديمقراطية ومشاركة الشعب، كانت اسبانيا والبرتغال واليونان، وذلك في السبعينات. صحيح ان دول اوربا الشرقية كانت قد ظفرت اخيراً بالارضية المناسبة لازالة المشاكل الجمة التي واجهت مسيرة تلك التحولات الجارية فيها خلال السبعينات، وتمكنت شعوبها ـ بالاستفادة من فرصة انهيار الاتحاد السوفيتي ـ من عزل انظمتها الرجعية والعميلة وبناء انظمة على غرار دول اوربا الغربية، لكن لا يزال هناك امامها شوط صعب لبلوغ تينِكَ القوة والمنعة اللتين تتمتع بهما الانظمة السياسية الغربية. اذ لو كفى حدف التقليد السائد في الانظمة الغربية في سبيل نيل الديمقراطية، لاصبحت في متناول يد الكثير من دول العالم الثالث ايضاً. من جملتها ايران بعد ثورة الدستور التي قلّدت الدول الغربية في تدوين دساتيرها وفي ايجاد دوائرها ومؤسساتها التي على غرارها، في حين ان هذه الدول لم تفهم حقيقة الديمقراطية.
هنالك امران زادا من استحكام بنية الديمقراطيات الغربية، أحدهما يتلخص في الثقافة الديمقراطية الناتجة عن التجارب المرة من جهة، والسعي المنقطع النظير الذي يبذله قادة المجتمع على امل شحن اذهان عموم الناس بشكل يحد من جمود التأريخ الطويل البالغ الخطورة من جهة اخرى; وثانيهما ناتج ايضاً عن الجهد الحثيث لمفكري المجتمع، وفضلاً عن ارساء اسس الديمقراطية، عبارة عن ايجاد آليات تسيل من امكانية تجسيد الفكرة عملياً، وتقلل من حدة الانحرافات قدر الامكان الا ان التصدي لبيان كيفية القبض على زمام السلطة او كيفية اجراء الانتخابات الحرة النزيهة، ليس بالامر اليسير. فالذي يضفي على الديمقراطية الغربية (الليبرالية) لوناً وطعماً خاصين، هو هذه الاساليب، والا فان الانظمة التي جاءت الى حيز الوجود في اوربا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، كانت هي الاخرى تنادي بالديمقراطية.
على اية حال، السير البطيءُ نسبياً للديمقراطية في الغرب والذي يمتاز بتأريخ معقد وعملي احياناً، ادى الى نضوج وتكامل هذه الفكرة والمؤسسات المنبثقة عنها. فلكل مؤسسة في هذا النظام تأريخها الخاص بها، ولكيفية تأسيس البرلمان (ايا كانت تسميته) ومجلس (الاعيان (اللوردات) في بريطانيا ونظائره في سائر الدول) قصة مفصلة خاصة بهما ايضاً، كما ان لكل من رئيس الجمهورية والملك الفاقد للصلاحيات الحقيقية والحكومة تأريخه الخاص.
نحن نأمل خلال بحثين، احدهما تحت عنوان مميزات الديمقراطية الغربية، والآخر نقد هذه الديمقراطيات، ان نخوض في غمار نقاش اخر حول هذه الانظمة السياسية المثيرة للجدل، وان نلقي الضوء على زواياها الواضحة والغامضة بشكل نقدي قدر المستطاع.