اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٧٣)      هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر. ( نهج البلاغة ٤: ٣٦)        لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطيّة اللجاج. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      أصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك. (نهج البلاغة ٣: ٣٩)       ليس كل طالب بمرزوق ولا كل مجمل بمحروم. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      
البحوث > المتفرقة > الغرب والدول الإسلامية الحديثة الصفحة

الغرب والدولة الإسلامية الحديثة
الشيخ عبد الكريم سلمان
في ظرف دولي شديد التعقيد، ولدت الدولة الإسلامية الحديثة، فأضفى هذا الظرف عليها حاجة استثنائية، للتعزيز والثبات، بالقدر الذي يتيح لها مكافحة الغزو الفكري الغربي من جهة وإحباط الدعاية الغربية القائلة بأنّ الغرب يمثّل النمط الحضاري الأخير للإنسان، وإن على شعوب العالم الإذعان للزعامة الغربية في الفكر والسياسة من جهة ثانية. والتبشير بحسنات الإسلام ومدى حاجة الإنسانية المعاصرة إليه، انطلاقاً من واقع عملي يثبت وبشكل حسّي ملموس إيجابية الإسلام وسلبية الغرب من جهة ثالثة. وهذا ما يقتضي الاستنفار وتحشيد كلّ الطاقات الفكرية في هذا الاتّجاه المصيري، ذلك أنّ الدولة الإسلامية لا تحتاج إلى شيء كحاجتها إلى الرفد الفكري الذي يستوضّح لها طريق القوّة والثبات والنمو.
أهمّية الدولة في التصوّر الإسلامي
قد يبادر بعضهم إلى مصادرة البحث في أهمّية الدولة في التصوّر الإسلامي، اعتماداً على قِدم المسألة وكثرة ما كُتِب فيها. صحيح أنّ الفكر الإسلامي انشغل بهذه المسألة طيلة القرن العشرين، وأنّها تستند إلى خزين تراثي وعمق تأريخي يمتد إلى عام (١١) للهجرة، حينما توفي الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأُثيرت مسألة الإمامة والخلافة من بعده، فكانت المحور الذي شغل المسلمين فكرياً وسياسياً واجتماعياً منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا. وما برزت طيلة هذا التأريخ المديد مسألة على بساط البحث السياسي أو الفكري، إلاّ وكانت الإمامة جذراً لها أو بُعداً من أبعادها.
وهذا صحيح، ولكنه لا يدلّ على استغناء مسألة الإمامة عن البحث! بل بالعكس يؤكّد فقرها وحاجتها إلى بحث متجدّد ومتواصل. كما أنّ أهمية هذا البحث لا تقرّر في ضوء خصوصيات المسلمين في الفكر والسياسة فحسب، وإنّما تتقرّر في ضوء خصوصيات الظرف الدولي الذي يعيشونه أيضاً. فحينما يعيش المسلمون في واقع دولي قائم على أساس الفلسفة المادية والعلمانية، فإنّ كيانهم السياسي المُعبَّر عنه بالخلافة أو الإمامة أو غير ذلك، يبدو جزءاً غريباً عن النسيج الدولي. بل جزءاً متنافراً معه بشدّة. وبقدر ما تتّسم الذهنية الإسلامية بالأنس الشديد بمفاهيم الخلافة والإمامة ومدلولاتهما، تتّسم الذهنية الدولية الحديثة بالغرابة من دولة دينية تقوم على أساس حاكمية الله في الأرض. وهذا التناقض والتنافر بين الذهنيتين يدفعهما إلى صراع جذري حول أسس الحضارة والحياة الإنسانية. وفي مثل هذا الظرف يُطلب من الذهنية الإسلامية الاستنفار والتحشّد للدفاع عن جذورها وأسسها، وأن لا تتّخذ من تراثها ـ مهما كان غنياً ـ دافعاً للاسترخاء، خاصّة وأنّها تقف بازاء حضارة لا يُستهان بها من الناحية الفكرية، وإن كانت بالمقياس الإسلامي حضارة جاهلية، وما