إعادة كتابة التاريخ الإسلامي: الدوافع والمنهج
صائب عبد الحميد
صلتنا بتاريخنا الاسلامي أبعد من مجرّد التعرّف على أحداث الزمن الماضي، وأبعد أيضاً من اقتناص التجارب وإضافتها إلى المخزون الثقافي .. ذلك أنّ تاريخنا الإسلامي بحكم أصالته، وبفعل العوامل الخاصّة التي ساهمت في تكوينه،قدأصبح الى جنب القرآن والسنّة في تكوين الرؤى والمواقف، وصياغة الكثير من المعتقدات والمعارف، وهو لدى السواد الأعظم من الناس، ممّن ليس لديهم صلة واعية بالقرآن الكريم والسنّة المطهرّة وفقههما، أكثر ثقلاً وأعظم أثراً.
من هنا اصبح الوعي التاريخي جزءاً لايتجزّأ من الوعي العقيدي..وأصبح تصحيح المخزون التاريخي شرطاً أساسياً في تصحيح الاعتقاد.
إننا بلاشك أمة ذات تاريخ عريق جدير ان نفخر به ونعتزّ; فلم تكن نقلة التوحيد الكبرى التى احدثها الاسلام وغيَّر بها صورة الحياة على الارض بالامر اليسير او الهين.. ولا كانت رسالة القرآن الشاملة الخالدة بالامر الذي يُطوى أو يقلل من اهميته شيء على الاطلاق.. ولا كان المد الحضاري الذي صنعه المسلمون طوال ثلاثة عشر قرناً ملكوا فيها، بالشيء الذي يغيب اثره.. إنه جدير بنا ان نفخر بذلك كله، وأن نربّي أجيالنا على الفخر به، فنسوّغ دوماً دواعي الفخر ونحفها بالإطراء والتبجيل والتقديس..
الواقع التاريخي وحقيقة الإسلام
إننا وإن سوغنا دواعي الفخر والاعتزاز في تاريخنا المجيد كما ينبغي، لكننا في الوقت ذاته بحاجة أكيدة إلى الاعتراف بوقوع الخطأ والانحراف في المسار التاريخي، ثم تشخيص ذلك وتحديده وتتبّع أصوله وجذوره لملاحظة مدى الاثر الذي تركه في الأمة فكرياً واجتماعياً، ذلك لما احتله التاريخ الاسلامي من دور معرفي خطير.. (فممّا لاشك فيه انّه قد وقعت انحرافات كثيرة في المجال السياسي عن الخط الاسلامي الاصيل، وانّ هذه الانحرافات قد وقعت في وقت مبكّر من تاريخ الاسلام لم يكن ينبغي أن تقع فيه)(٢).
إذن فالذي ننظر اليه نظرة التبجيل والتقديس ونكرس في اظهاره والدفاع عنه كل الطاقات والامكانات ليس هو الواقع التاريخي الناجز بكل مايحويه من حلو ومر، بل هو الاطروحة والموقف والإنجاز الذي يتحرّك مع اهداف الشريعة ومقاصدها بغض النظر عن مصدره; أهو السلطان والنظام السياسي القائم، أم الخطوط الاسلامية المعارضة للسلطان ونظامه.. فليس من الموضوعية في شيء أن نجعل الواقع التاريخي الناجز هو المقوّم للحقيقة وللتاريخ نفسه، بل الشريعة بنصوصها ومعالمها ومفاهيمها ومقاصدها هي المرجع في تقويم ذلك كلّه.