الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم. ( نهج البلاغة ٤: ٤٠)      اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٧٣)      بالإفضال تعظم الأقدار. ( نهج البلاغة ٤: ٥٠)        لا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)       إذا تم العقل نقص الكلام. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      
البحوث > المتفرقة > الحضارة الغربية: رؤية نقدية الصفحة

الحضارة الغربية: رؤية نقدية
عماد بزي(١)
يكتسب الحديث عن الحضارة الغربية أهمية متزايدة في هذه الفترة من الزمن، لكونها على عتبة التحول إلى حضارة عالمية، جارفة في طريقها ثقافات وأنماط معيشة شعوب دامت قروناً طويلة.
ويوماً بعد آخر تثبت هذه الحضارة، بما لا يدع مجالاً للشك، قدرتها على اختراق وتذويب وبالتالي استلحاق كل الحضارات خارج إطار التوحيد، تماماً كالشيطان.
فبالأمس القريب تهاوى (الاتحاد السوفيتي) واليوم يجري التحضير لزعزعة الصين، ومن غير المستبعد أن تبرز بوادر أزمات عميقة في ذلك البلد العريق في السنوات القليلة القادمة.
وهكذا نجد أنّ التخلف الفكري والعلمي والتقني هو الحائل الوحيد الذي يسمح لكثير من البلدان النامية بالمحافظة على شيء من تراثها وتقاليدها ومتى ما اصطدمت هذه المجتمعات بقيم الحداثة الغربية تلاشى المحتوى الأهم لتراثها، وحدث تحوّل عميق على صعيد العلاقات الاجتماعية، خصوصاً بين الجنسين.
وليس من المبالغة القول إنّ النموذج الديمقراطي الغربي في الحكم، ونمط الحياة الغربية أصبحا يمثلان الحلم المنشود لكثير من شعوب العالم المستضعفة، مع ما يرمزان إليه من حرية ورخاء اقتصادي، وحلول لكثير من الأزمات السياسية المدمرة، التي تعصف بتلك البلدان.
والمتتبع للكتابات ذات الطابع الإسلامي حول الحضارة الغربية، يجد أنّها ـ على قلتها ـ لا تخلو من التعميم وأحياناً كثيرة اللاموضوعية، حتى ليخيل إلى القارئ انّه لا يوجد في الغرب سوى الفساد الأخلاقي والتفكك الأسري والادمان على المخدرات والايدز .. هذا في حين انّ الصورة أعمق من ذلك بكثير وأكثر تنوعاً. فلا تزال هذه الحضارة تملك كثيراً من عناصر القوة التي تجعلها قادرة على تجديد نفسها وريادة العالم في بعض المجالات، ليس أقلها الجانب الثقافي. هذا بالاضافة إلى انّها تعاني من بعض الأزمات الوجودية التي تنذر بخرابها من الداخل.
بناءً على ما تقدم، هل ثمة سبيل إلى فهم موضوعي لهذه الحضارة باعتبار تأثيرها على مجمل أوضاعنا؟
ولا يخفى انّ المعرفة هي نوع من أنواع القوة، وكلما كانت أقرب إلى الواقع كانت ذات فائدة أكبر.
ولقد مضى على الأقل قرنان من الزمن والقوم يحللون ثقافتنا وذهنياتنا ويدرسون مختلف جوانب مجتمعنا واتجاهاتنا الفكرية والروحية، ويوظفون كل ذلك في مجالات لم تعد تخفى على أحد، والدراسات التي تنجز في الغرب عن الإسلام، كحضارة وتاريخ ومجتمع وسياسة وإعلام، هي أكثر كثافة وغنىً من الأبحاث المنجزة في العالم الإسلامي عن المواضيع نفسها.

(١) كاتب اسلامي من استراليا .