الوعي وتراكم المعرفة
مازن مرتضى
يستند تطور الحضارات والتقدم العلمي والصناعي، بشكل عام الى محورين اساسيين، هما: الوعي وتراكم المعرفة، او تراكم المعرفة ثم الوعي، احدهما يكمل الاخر.. فبدونهما معاً، تبقى العملية الحضارية ناقصة.
ونقصد بتراكم المعرفة هنا، هو الكم الهائل من المعارف والملاحظات والانجازات على اختلاف درجاتها وعلى اختلاف طبيعتها، ونقصد بالوعي هو كيفية استغلال تلك الكمية الكبيرة المتراكمة من المعرفة، وتوظيفها لبناء حضاري ومستقبلي متطور.. هذا هو فهمنا للوعي من خلال معايشتنا للواقع.
ولنرجع الى اللغة لنعرف بعض معاني الوعي، علّها تلقي الضوء على موضوعنا هنا، فاللغة ستضعنا في صميم معانيه كما فهمها اجدادنا. وفي الوقت نفسه تبعدنا عن المعاني الخارجية عن اشكاليتنا هذه (علاقة الوعي بالتراكم المعرفي) فقد ورد في معناه: وعى الشيء جمعه في وعاء. وعن الحديث حفظه وفهمه وقبله، وعى الامر أدركه على حقيقته. الوعي الحفظ والتقدير. والوعي الفهم وسلامة الادراك. الوعي (في علم النفس شعور الكائن الحي بما في نفسه وما يحيط به، الوعي: الفقيه الحافظ الكّيس(١).
من هذه المعاني المختلفة، وكلها تصب في معنى اساسي واحد، نفهم ان الوعي ضرورة اساسية لايمكن الاستغناء عنها في سبيل البناء الحضاري اللازم، فهي المادة الصمغية او الاسمنتية التي تماسك بين الاجزاء او تعطيها الشكل النهائي المعقول.
ولنرجع الى قرائنا، الى اسلامنا الى تراثنا، الى صميمنا، لنعرف قيمة الوعي، بل ودوره في بناء الحضارة الاسلامية، بل وقبل ذلك لنعرف ـ وبالطبع بشكل موجز ـ هل كان هناك وعي في الامم السابقة للدين الاسلامي والحضارة الاسلامية ؟
لاشك اننا لانستطيع الحكم بانعدام الوعي بشكل كامل في الامم السابقة للاسلام. لقد كان ولكن جزئياً، تفاوت في الزمان والمكان وفي التاريخ والجغرافية، فقد انعدم تماماً او جزئياً عند الاقوام البدائية الاولى، والدليل... هو عدم تطور انجازاتهم مئات الالاف من السنين، وكذلك الامم الحضارية التي جاءت بعد تـلك الاقـوام، فهي وان اختلفت في طبيعة ودرجة انجازاتها باعتبارهـا عاشت فترة لاحقة واستفادت من خبرات السابقين، الا ان وعيها كان ضعيفاً بل ومعدوماً في كثير من الاحيان، ومثل تلك الامم كانت الفترة الجاهلية، ماقبل الاسلام في الجزيرة العربية، مثل تلك الامم كان وعيها ضعيفاً محدوداً... لم تستطع ان تقدم الى العالـم شـيئاً مهماً، سوى الشعر والحكمة وقليل مـن الخطب، يتخللها احياناً وعي لاشك انه قادم من تعاليم الديانات او بقايا الديانات السماوية الموجودة على ارض الجزيرة العربية.