تكامل الحكمة وشموليتها
في فكر الإمام علي
* يوسف عبد الحميد
يظل هاجسنا عندما نكتب عن الإمام علي بن أبي طالب، وما يمثله من فكر شمولي مفعم بالحكمة، وممارسةً قل نظيرها في التاريخ الإنساني، وقوة مثال لا يزال مستلهما عبر التاريخ، وحضور مستمر في الوجدان الإسلامي. يظل هذا الهاجس متعدد الأهداف، بدءاً من إرادة التعريف بحوادث مشرقة من تراثنا الإنساني، إلى الهدف المركزي الذي نشدناه ونظل ننشده بصورةَ مستمرة، وهو عقلنة السلطة وتهذيبها وترشيدها، في وقت أصبحت فيه وحشاً ضارياً في حياتنا السياسية والإنسانية، يعتدي على حرماتنا وأفكارنا ومقدساتنا وكل تفاصيل حياتنا بما فيها الحياة نفسها. ويقزم عقولنا وأحلامنا، إلى درجة غدت فيه الحياة عبئاً قميئاً غير قابل للاحتمال.. إلى هدف إشاعة مناخ المعرفة، والحيوية، والإيجابية، في حياتنا الراهنة، بما تعكسه من عقم وانكماش، وانطواء علىالسلبية والخيبة، لأن المعرفة من أهم عوامل تجديد المجتمعات، وبخاصة عندما تصدر عن نماذج إنسانية فذة، لم تستهلك فكراً، ومثالاً، وتطلعاً، وحضوراً دائم الفعل والتأثير، في ضمائر وعقول الملايين من البشر.
إنّ بعث هذا الفكر وتقديمه بما يلائم حضورنا الخلاق والفاعل في العصر، يساهم مساهمة أكيدة في الدفاع عن هوياتنا أفراداً وجماعات، مهما كبر مستوى هذه الجماعات، في وقت تتعرض فيه هويات البشر وثقافاتهم، واستقلالهم بالمعنى العريق والشامل، إلى تهديد جدي، بسبب سياسات الهيمنة التي تمارسها الدول الكبرى، وهي تملك ما تملكه من وسائل التكنولوجيا المتطورة التي تستطيع أن تبث «ثقافات» وقيماً، وأنماط حياة، وسياسات موجهة، بصورة ينتفي فيها أي تكافؤ بينها وبين ما تقدر عليه الشعوب، التي لا تمتلك الإمكانات التي تؤهلها للدفاع عن نفسها، والحفاظ على شخصها وهويتها، من الاقتلاع والتذويب والتغريب.
والكتابة عن الإمام علي وهو الذي أبلى جهادًاً، وتأملاً، وتمرّساً، في مرحلة هي الأهم في التاريخ الإسلامي.. وبخاصة أنها مرحلة تأسيسية...
نقول إن الكتابة عنه، وعن أمثاله، هي بمثابة تصحيح مستمر للتاريخ الذي يشكل ذاكرة البشر.. وهي ذاكرة تفقد توازنها واتزانها، ما لم تتعامل بالحقائق الموضوعية، وتـنصف الشخصيات التاريخية التي تتمتع بغنى فكر، ومصداقية ممارسة يؤهلانها لأن تواكب حركة الحياة التي لا تنقطع عن الصيرورة الدائمة.