الخلدونية في مرآة فلسفة التاريخ
* سالم حمّيش
مقدمتان
١ ـ أي فلسفة تاريخ نقصد؟
لعل شروط نشأة فلسفة التاريخ كحقل معرفي متميز قد توفرت في اكتمال الفلسفة الغربية التقليدية مع نسق هيجل ومثاليته المطلقة , فهيجل ( م ١٨٣١) الذي يدرس الظاهرة معرفياً بطريقة لا تقيم وزنا ًلمعناها المحدود المأقلم كما هو في الكانطية , ويؤكد أن الجوهر يتجلى ظاهرياً أو أن لا شيء في الظاهرة غائب عن الجوهر والعكس بالعكس ... الحقيقة إذن تظهر في فترات الصيرورة ثم تغترب لكي تظهر بشكل جديد غني بمختلف اللحظات الصعبة المتأزمة التي تجاوزتها واحتفظت بما هو من قبيل الحق فيها , لذا تحمل كل فترة جنين الحقيقة المطلفة كما يحمل البرعم الظهور المقبل للفاكهة , وتكون الحقيقة قابلة لأن تتجلى في عهود معينة من التاريخ في الحضارة الإغريقية قبل قيام الامبراطورية المقدونية أو في الثورة الفرنسية والفترة النابوليونية مثلاً .
أما ما يبعد هيجل عن كانط أكثر فهو أنه يزدري الأنموذج الرياضي الذي استند إليه ناقد العقل الخالص ومن قبله لايبنتز وديكارت وذلك لفقر مادته التي هي الكميات أي العلاقات الكمية الجافة اللاجوهرية والمعزولة عن المفهوم والحياة وبالتالي ليست ثورة غاليلي وكوبرنيك أو نيوتن في الفيزياء هي التي كانت مصدر استلهام عند هيجل , بل إن هذا المصدر هو الثورة الفرنسية بمثلها العليا وأحداثها الجسيمة باستيلاء الشعب الباريسي على الباستيل , سجن العهد القديم بيوم الرابع من يوليو / تموز وانتصار الجيش الفرنسي في فالمي على قوات حلف الأنظمة الملكية المجاورة وبنابليون الفكرة – المثال وقد امتطت الحصان , الخ . إن الاقتداء بالأنموذج البيولوجي هو الذي جعل مهمة التفكير في الحياة تظهر مبكراً عند هيجل وتتبوأ الصدارة في مسار نسقه , والحياة في التاريخ هي الحاضر الذي يلزم أن تكون له الأسبقية في مجال البحث الفلسفي طالما أن الماضي كبعد تام وفي ذاته