لن لمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)      أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه. ( نهج البلاغة ٤: ٨٨ )     صدر العاقل صندوق سره. ( نهج البلاغة ٤: ٣)        أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)      
البحوث > المتفرقة > تربية الشباب في فكر الامام الرضا عليه السلام الصفحة

تربية الشباب بين الأصالة والتجديد
الدكتور ابراهيم الجعفري(١)
يكتسب الحديث التربوي حول الشباب أهميةً خاصةً، لأنّه يستهدف بناء الشخصية، وهي في مرحلة التحول الأساسي، الذي يتميز بأنّه متعدد في عناصره المكونة لذلك التحوّل، كما أنّه ذو انعطافة حادّة على غير السياق التغيري الذي درج الشاب عليه في مرحلة ما قبل المراهقة والشباب، وحتى يختلف ـ عموماً ـ ومن حيث الحدّة عما يعتري شخصيته في المرحلة التي تلي الشباب.
فعلى المستوى العقلي مثلاً ينتقل من مؤمن بكل حقيقة إلى مستفسر عن أدلة اثباتها من مُجترّ ومكرّر للاهتمامات العقائدية والفكرية التي تطرحها عليه الاسرة والآخرون إلى مولّد ذاتي للأسئلة التلقائية التي تدور في خلده.
ومن الناحية النفسية يتحول من حالة الانفعال الذاتي (السلبي) إلى الانفعال البنّاء، من حالة الانكفاء على الذات إلى حالة المواجهة، من عدم الاهتمام بالآخرين إلى محاولة فهمهم التعامل معهم، من غاطس في افق حاضره إلى متطلع إلى مستقبله.
وعلى مستوى الاسرة، من الانصياع لارادة الوالدين إلى الانضباط الذاتي، من التلقي من الوالدين إلى التفاعل معهم كأصدقاء، من الشعور الفردي اللامسؤول إلى الاحساس بالمسؤولية تجاه الاسرة، من الفطرة الاحادية المستوحاة من الاسرة في تقييم أفرادها إلى النظرة الموضوعية المنفتحة على المجتمع في التقييم.
ومن الناحية الاجتماعية يتحول ـ غالباً ـ من رفض التعامل الاجتماعي إلى قبوله، من مستوى التزمّت في العلاقة إلى مستوى التعايش، من مستوى التطرف في القبول المطلق أو الرفض المطلق للمعطيات الاجتماعية إلى الفرز ـ القيمي ـ والقبول الانتقائي، من عدم مراعاة الجانب الاجتماعي إلى احترام العرف، من الاهتمام السطحي الجذّاب إلى محاولة التعمّق ووعي الحقيقة، من اللامبالاة إلى الشعور بالمسؤولية.
إضافة إلى تحولات أُخرى، ليست أقل أهمية من هذه إن لم تضاههها أو تفقها أحياناً مثل ما يعتريه من وضع غريزي جنسي ضاغط، نزعته الاستقلالية ورفضه للحالة التبعية، تطلعه إلى التخصص وتحديده لمساره المهني والعلمي، تفكيره وتخطيطه للعلاقة الزوجية.
هذه مجمل التغيرات التي يتعرض لها الشباب وبصورة غالبة وليست قطعية بكل مفرداتها.
إنّ مثل هذه الانعطافة حملت كثيراً من علماء النفس على تفسير المراهقة بانها حالة غير طبيعية، حيث (يشعر المراهق بالضياع... إلى أن يصل إلى مرحلة النضج)(٢).

(١) كاتب إسلامي مقيم في لندن.
(٢) انظر: جرندر (Grinder)، المراهق مجموعة من التناقضات، بيكوناس والبرشت، علم نفس النمو (الطفولة والمراهقة)، ص ٢٩٢.