لا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      شتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره. ( نهج البلاغة ٤: ٢٨)      من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)        لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطيّة اللجاج. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      
البحوث > المتفرقة > توحيد الأفعال بين الأشاعرة والعرفاء الصفحة

توحيد الأفعال بين الأشاعرة والعُرفاء
* قـاسم كـاكـائي
ترجمة: عباس الأسدي
تعتبر العلاقة بين الله والإنسان والعالم أهم مسألة واجهت جميع النظريات التي تمتلك رؤية كونية وتؤمن بوجود الخالق، ويعود الفارق الرئيسي بين هذه النظريات إلى موقفها من الدور الذي يؤديه كل من (الله والانسان والكون) في نظام الوجود، إذ إن بعض هذه النظريات ترى أن الله هو المحور، وبعضها يعتبر الانسان هو القطب، في حين تعتقد نظريات أخرى بالتقسيم العادل للقوة بين العوامل الثلاثة المذكورة.
ويوجد في الفكر الإسلامي اتجاهان رئيسيان فيما يتعلق بأصحاب الرأي الأول، هما الاتجاه الأشعري والاتجاه العرفاني، والمقصود بالأشعرية، المذهب الكلامي الذي بدأ مع الشيخ أبي الحسن الاشعري (م٣٢٤هـ )، وتكامل على يد أتباعه; والمراد بالعرفان المذهب الخاص الذي اقترن باسم محيي الدين ابن عربي (م٦٣٨هـ ).
وتجد في ظاهر كلام هاتين الطائفتين تماثلاً في العديد من الحالات في مسائل عديدة، مثل الجبر والاختيار، ونفي الأسباب والعلل، ورؤية الله والتشبيه، والتنزيه وقصور العقل، وعدم مسؤولية الله وارادته المطلقة; وقد أدى هذا الأمر منذ زمن طويل إلى ظهور بحوث في أوجه التشابه والاختلاف بين هذين الاتجاهين، فاعتبرهما البعض يمثلان شيئاً واحداً، وهاجموا العرفان بحجة الدفاع عن العقل أمام رفض الأشاعرة له; في حين انتـقد آخرون العرفاء بذريعة الدفاع عن التشيع أمام الأشاعرة السنة; وانتهز آخرون الفرصة وراحوا يبلّغون للمذهب الأشعري في إطار العرفان.
وتطرح هذه البحوث أحياناً بشكلها العام المطلق، وتجعل في أحيان أخرى أشخاصاً من مثل ابن العربي وحافظ والمولوي محوراً للحديث، فتعترف بالاتجاه العرفاني لديهم ومن ثم تبحث في انتمائهم المذهبي للأشاعرة; وشهد عصرنا الحاضر مثل هذه البحوث، وطرح على سبيل المثال موضوع الانتماء المذهبي للمولوي، وأنه هل يمثل اتجاهاً أشعرياً في مذهبه الكلامي(١)، أم عرفانه يبتعد عن الكلام الأشعري بحيث أن القياس بينهما ينبئ عن جهل بكلا التيارين الفكريين(٢)؟
ولا يشك أحد أن العرفان والكلام مستقلان عن بعضهما، ومتباينان من حيث الأسلوب والمصادر والأدوات المعرفية، وإذا كان ثمة تشابه أو اختلاف بين الأشاعرة والعرفاء فهو يتعلق بالقضايا التي تثير الجدل لدى المذهبين، ولاسيما مسألة «التوحيد الأفعالي»، فهل ينطلقان من موقفين متماثلين أم متعارضين؟
وإذا كان ثمة اختلاف بينهما في هذا المجال، فما هو وجه الاختلاف؟
وهل هو بمستوى يجعل منهما اتجاهين متباينين مطلقاً ولا يمكن أن يجتمعا البتة؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) عبد الكريم سروش، فربه تراز ايدئولوژى: ٢٨٥، طهران انتشارات صراط ١٣٧٢.
(٢) الجوادي الآملي، شريعت در آينه معرفت (الشريعة في مرآة المعرفة): ٢٥٦، طهران، نشر فرهنگ رجاء، ١٣٧٢.