من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. ( نهج البلاغة ٤: ٨ )      بادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكركم. ( نهج البلاغة ٤: ٤٦)        أخلص في المسألة لربّك فإن بيده العطاء والحرمان. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)       المال مادة الشهوات. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      من تذكر بعد السفر استعد. ( نهج البلاغة ٤: ٦٨)      
البحوث > المتفرقة > حياة الرازي ومنهج تفسيره الصفحة

حياة الرازي ومنهج تفسيره
* حسين بركة الشامي

حياة الرازي
هو محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري الطبرستاني، ابن خطيب الري المشهور بفخر الدين الرازي(١) .
ولد في شهر رمضان من عام (٥٤٤ هـ)(٢) في مدينة الري واليها نسبته بالرازي.
كان ربع القامة، عبل الجسم، كث اللحية، جهوري الصوت، صاحب وقار وحشمة، له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة.
كان فريد عصره ومتكلم زمانه جمع كثيراً من العلوم ونبغ فيها، فكان اماماً في التفسير والكلام والعلوم العقلية وعلوم اللغة، ولقد اكسبه نبوغه العلمي شهرة عظيمة، فكان العلماء يقصدونه من البلاد ويشدون اليه الرحال من مختلف الاقطار.
اخذ العلم عن والده ضياء الدين وعن الكمال السمعاني والمجد الجيلي وغيرهم من العلماء الذين عاصرهم ولقيهم، والى جانب شهرته العلمية فقد اشتهر بالوعظ حتى قيل انه كان يعظ باللسان العربي واللسان العجمي(٣).
وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء فيبكي سامعوه كثيراً من شدة وقع مواعظه في قلوبهم وسحرها في افئدتهم.
ورغم ان الحقبة التي وُلد فيها الفخر الرازي كانت قلقة سياسياً، الا انها شهدت نشاطاً علمياً كبيراً. ففي القرن السادس الهجري كانت البلاد الفارسية تعيش حركة علمية متطورة، حيث تنوعت العلوم وكثرت التصانيف في شتى الفنون. ولعل اهم تراث اسلامي ظهر وفرة وجودة كان في ذلك العصر. فلقد ازدهرت العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية والكلامية وغيرها من العلوم التي اتصل بها الرازي وكوّن شخصيته الثقافية من خلال الاحتكاك بها(٤).
ولقد انعكست هذه الحركة العلمية على تفكير الفخر الرازي ومنهجه، وكانت واضحة في نتاجه العلمي الذي اتسم بالموسوعية والتنوع المعرفي.
ترك الرازي مسقط رأسه، وقام بجولة في بلاد ما وراء النهر. فذهب الى بخارى وسمرقند وغزنة وبلاد الهند. ويبدو انه لم يستقر في هذه المناطق نتيجة المناظرات التي كان يعقدها مع علمائها، وما يترتب عليها من آثار تحول دون استقراره على الصعيد الاجتماعي.
وقد بدأ الرازي بعد رحلته هذه بالاتصال بالسلاطين والحكام، فقد اتصل بالسلطان بهاء الدّين سام ثم ذهب الى خاله غياث الدّين، وبعد ذلك اتصل بسلطان غزنة، ثمّ بالسلطان الكبير خوارزم شاه ونال منه اسمى المراتب واقام بهراة وتملك بها ملكاً وأولد أولاداً(٥). وصفه ابن العبري بقوله: كان يركب وحوله السيوف المجذبة وله المماليك الكثيرة والمرتبة العالية والمنزلة الرفيعة عند السلاطين الخوارزمشاهية. وسارت مصنفاته في الاقطار

١ ـ ابن كثير، البداية والنهاية ج ١٣، ص ٥٥.
٢ ـ السيوطي، طبقات المفسرين ص ٣٩.
٣ ـ د. محمد حسن الذهبي، التفسير والمفسرون ج١، ص ٢٩٠.
٤ ـ د. عبد العزيز المجدوب، الامام الحكيم فخر الدّين الرازي ص ٢٩.
٥ ـ محسن عبد الحميد، الرازي مفسراً ص ١٥.