الحدة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم. ( نهج البلاغة ٤: ٥٦)        لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطيّة اللجاج. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      من تذكر بعد السفر استعد. ( نهج البلاغة ٤: ٦٨)      الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      ترك الذنب أهون من طلب التوبة. ( نهج البلاغة ٤: ٤٢)      
البحوث > المتفرقة > المجتمع الديني والحداثة الصفحة

المجتمع الديني والحداثة
* الدكتور محمد جواد لاريجاني
«هل يمكن للمجتمع الديني ان يكون حديثاً»؟
في توضيح ذلك نقول: بعد انتصار الثورة وتأسيس الحكومة الاسلامية، ظهر للجمهورية الاسلامية هدف مهم، هو: «يجب ان تكون ايران الاسلامية دولة حديثة وقوية ومتطورة». وكان لهذا الهدف جذور متنوعة، وقد طرحت في كتاب «الاستراتيجية القومية»١ دليلاً لذلك على اساس المسؤولية «الاسلامية»، وقد يكون بعضهم قد توصل الى هذه النتيجة بطرق أخرى، لكن يبقى «تحديث» ايران اليوم، من الاهداف الضرورية أولاً وآخراً. وذلك:
اولاً: بغض النظر عن التغييرات في تركيبة القوى التنفيذية والحكومة. فإن الحكومة الاسلامية والشعب الايراني كليهما يسعيان الى هذا الهدف، ليس في المدى القصير بل كضرورة ستراتيجية ثابتة.
ثانياً: ستسخدم الدولة جميع امكانات الشعب لنيل هذا الهدف، عند الضرورة.
ومن هنا تتضح صعوبة الوصول الى هذا الهدف، وجسامة مايجب ان يصرف في سبيله من امكانات هائلة وثروات عظيمة، وهذا يعني تحمل الناس ضغوطات كثيرة وبذل جهود جبارة. لذلك نجد هذا السؤال يواجه المسؤولين والشعب.
أهذا الهدف «واقعي» أم ممكن اساساً؟ هل يمكن ادارة المجتمع بشكل اسلامي وفي الوقت نفسه نصل الى الحداثة؟
النقطة المهمة في هذا الصدد، هي ان جميع النماذج الموجودة من الدول «الحديثة»، لها انظمة ديمقراطية ـ ليبرالية، وانها تصرِّح ـ على الاقل ـ بفصل الدين عن السياسة، في حين اننا نصرّ على خلق مجتمع على اساس عقيدتنا الاسلامية.
الى هنا وصلنا، من خلال مسار طبيعي إلى طرح سؤالنا الاساسي. وهناك طرف آخر لابدَّ ان نأخذه بنظر الاعتبار في هذا الموضوع، وهو ان اعداء الاسلام. ومن بينهم دول قوية ومتطورة من الناحية العلمية والتكنولوجية، مثل: امريكا ودول اوربا الغربية وروسيا. هؤلاء يخافون الصحوة الاسلامية وإنشاء انظمة اسلامية، هدفها تشكيل «الامة الاسلامية الواحدة»، لذلك جهدوا في محاربتها بكل ما أُوتوا من قوة، ولايخشون في ذلك الحرب وسفك الدماء! وهؤلاء الاعداء لايلزمهم اي ضابط اخلاقي، كما ان لهم وسائل اعلان قوية جداً.
يقول هؤلاء الاعداء في دعاياتهم واكاذيبهم المغرضة، ان «الفكر الاسلامي» فكر بال اكل الدهر عليه وشرب، وان التجارب أثبتت أنه اينما حكم «الدين» سدّت الابواب بوجهه، واصبحت فئة معينة هي القيِّم على الناس والمتصدي لكل شؤونهم، وهذا الامر يهيِّئ الارضية لنوع من الدكتاتورية المطلقة. لذلك وجب ان يمرّ طريق التطور والحضارة والحداثة، من خلال الديمقراطية ـ الليبرالية، التي

(١) محمد جواد لاريجاني «الاستراتيجية القومية» ترجمة علاء الرضائي، بيروت: دار التعارف ١٩٩٥م.