اللّغَةُ العَرَبيّةِ بَينَ التعليم وتَكوين المَهارة اللغَويَّة
الدكتور فخر الدين قباوة
جامعة حلب ـ سوريا
يكتسب تعلم اللغة العربية، أهمية خاصة، للعرب ولغير العرب إذ للعربية قيمة دينية، تتجاوز كونها مصدراً أساسياً لوجود العرب وعزتهم وكرامتهم.
فتعلمها والحالة هذه واجب شرعي على كل مسلم، لأنها لغة القرآن الكريم، والسنة الشريفة، ولغة الصحابة الأجلاء، عرباً كانوا، أو عجماً.. تداولوها بالفصاحة، والاتقان، والاعتزاز.
أما تكوين المهارة اللغوية، والإحاطة بعلومها من نحو وبلاغة وسواهما، فهما فرض كفاية، إذا قام به البعض بما يكفي حاجات سقط عن الباقين...
في المأثور من بليغ البيان:(( كادَ الفقرُ أن يكونَ كُفراً )). وهو حديث شريف(١)، وينسب إلى الإمام علي رضي الله عنه، يدل على حقيقة أبدية تلمسها في كل زمان ومكان. فالذين تحيط بهم الحاجات المادية، ويقعون في حبال الضرورات المتتابعة، دون رصيد مالي يسد الرمق ويدفع البلاء، تراهم أحياناً وقد ضعفت نفوسهم عن مقاومة الضغوط القاهرة، يستسلمون للضرورة وينسون القيم والمثل، وينقادون للحاجات الآنية في غياب مارسخ لديهم من الإيمان، وتكون لهم أعمال بعيدة جداً عما يعتقدون ويلتزمون في الحياة. فالفقر يعيش في دائرة قريبة من ميادين الكفر، يطل عليه ويوشك أن يشاركه منازعه وأشكاله ومصيره. هذا شأن الفقر المادي لأنه يضعف القدرات الروحية ويحجب سلطة الفكر السليم عن التحكم في السلوك والوسائل والنزعات.
وإذا صح هذا ـ وهو صحيح ـ فإن الجهل هو أقرب إلى الكفر، إن لم يكن الكفرَ عينَه. ذلك أن الفقر المادي يحجب سلطة العقل، فيدنو بصاحبه من دوائر الظلم والبغي والعدوان، في حين أن الفقر الروحي ـ وهو الجهل ـ تعطيل لتلك السلطة، ونسيان كامل لما تحمله من قدرة على وضوح الرؤية، لاختيار العمل الصالح والفكر السليم والشعور النبيل. ولذا كان القرآن الكريم كثيراً ما يقرن الجهل بالكفر، ويعبر عن الكافرين بأنهم (( قوم يجهلون ))، حتى أصبحت الجاهلية علَماً على فساد العقيدة، ورمزاً لعصور الوثنية والشرك والكفران. هذا مع أن ذكر الفقر فيه بعيد عن تلك المهاوي، وقد يحمل في جنباته بعض الصفاء وألوان الإيمان والصلاح.