الإشكالية الأخلاقية بين الأصالة والمعاصرة
أنور الرصافي*
لا شك ان لفلسفة الاخلاق اهمية بالغة على الصعيد المعرفي، وعلى صعيد تأسيس اطروحات ومذاهب اخلاقية والمساهمة في بلورة عناصرها، الامر الذي يدفعنا الى تقديم قراءة سريعة لها.
ففلسفة الاخلاق ـ وكما يبدو من الاصطلاح ـ هي رؤية فلسفية حيال الاخلاق ومسائلها وموضوعاتها.
وكانت في بدء أمرها على بعض فروع العلوم الانسانية أيضاً من قبيل علم الاقتصاد والاجتماع والنفس مما حدا الى تسرب الاسلوب التجريبي والتوصيفي والتاريخي والعلمي اليها بغية توصيف ظاهرة الاخلاق وتبيينها او طرح نظريات تمس الطبيعة الانسانية التي تضم في طياتها جميع المسائل الاخلاقية. الا ان معناها اخذ بالانحصار عبر الزمان حتى وصل بها الحال الى المجاهرة بنبذ كل الأساليب التقليدية المتبعة سابقاً والاقتصار على الاسلوب التحليلي، ولم تعد تتوق الى الدفاع عن اي حكم معياري قيمي مهما كان، ولا الى تشخيص الصواب عن الخطأ بل اقتصر نطاق عملها على الاجابة عن استفسارات منطقية ومعرفية، من قبيل:
ماهي موارد استعمال خير او حسن ؟ ماهو السبيل الى اثبات الاحكام الاخلاقية؟ ماهي الاخلاق ؟ ماهو الفارق بين الاخلاق واللا اخلاق.
وقد حصر كثير من فلاسفة الاخلاق المتأخرين فلسفة الاخلاق في هذا المعنى وبات من غير الضروري ان يتحلى فيلسوف الاخلاق باخلاق عالية١.
ومن ثم سعى فلاسفة الاخلاق الى فرز قواعد مشتركة وتصنيفها في اطار الكلية والاطلاق لما لها من الاهمية في فهم ابحاث اخلاقية من قبيل النسبية والتطور والتنوع.
وبعد هذه الالماحة الخاطفة بفلسفة الاخلاق نتحول الى رصد اشكالية شغلت بال العديد من فلاسفة الاخلاق، وهي بيان مدى قابلية الاصول الاخلاقية على التكيف مع واقعها الموضوعي. ويظهر ان الاشكالية المطروحة شكلت محور الصراع بين الاتجاه العقلي والتجريبي، فهل ستنتهي الجولة لصالح الاتجاه العقلي الذي كرس اهتمامه في الدفاع عن ثباتها واطلاقها مادامت قادرة على امتصاص جميع الصعوبات التي تطرح على مستوى الزمان، ام لصالح الاتجاه التجريبي الذي راح يجاهر بضرورة الغاء الثبات والاطلاق بغية تكييفها مع الواقع الموضوعي؟ وهذا ما نروم الاجابة عنه في هذا البحث.