المعيق والمساعد في نمو المنهج التاريخي في علوم الحضارة الإنسانية
د. وجيه كوثراني*
نظرة في التاريخ
شكلت المعرفة التاريخية في القديم جزءاً لا يتجزأ من معارف الانسان الفلسفية والسياسية والاخلاقية، كما شكلت جزءاً من ذوقه الادبي والفني وذاكرته ومتعته القصصية .
هكذا كان شأن المعرفة التاريخية وموقعها في الحضارات الإنسانية القديمة. لم تكتسب ـ شأنها شأن المعارف الأخرى ـ حيزاً مستقلاً من حيث الموضوع أو المنهج. فهي اما جزء من سجلات سياسية وإدارية وعسكرية ومالية تخص الدولة وملوكها وسلالاتها كما هو الحال بالنسبة للحضارة المصرية القديمة أو البابلية، أو جزء من الأدب السياسي والخطابي والقصصي كما هو الحال بالنسبة للحضارتين اليونانية والرومانية.
وإذا كانت هاتان الحضارتان الأخيرتان (اليونانية والرومانية ) قد شهدتا بزوغاً لمحاولات تأريخية مستقلة وصلت إلى ذروتها مع توسيديد اليوناني ( ٤٦٠ - ٣٩٥ ق.م) فقد بلغت مع بوليبوس الروماني (٢١٠ - ١٢٥ ق.م) أوسع تحركها دوافع
* استاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية ورئيس تحرير مجلة منبر الحوار.
polybeفأن الفكر التاريخي ظل جزءاً من اهتمامات السياسة أحياناً كما هو حال الخطاب السياسي الروماني أو دوافع الأدب الذي يستلهم من التاريخ موضوعه ومادته وشخصياته وأبطاله. يقول «ايف لاكوست» معبراً عن هذه الفكرة: «إن الفكر التاريخي برغم احتلاله مركزاً هاماً في الثقافة اليونانية والرومانية لم يبق في المستوى الذي رفعه إليه توسيديد. فلقد تغلبت فيه اهتمامات الأدب على اهتمامات المؤرخ. ولم يعد المثل الأعلى فهم الماضي، بل أصبح تدبيج وصف الماضي»١.
واما بالنسبة للحضارة العربية ـ الإسلامية فان الكتابة التاريخية كانت في البدايات