العِلمُ والتَّعليم في الحَضارةِ الإسلاميّة
تأمّلات وتَمنيّات
الدكتور عبد الكريم اليافي
دمشق ـ سوريا
العلم والتعليم نسغ الحضارة الإسلامية، وضوؤها الذي أنار العالم كله حين أشرق، فحفز الشعوب والأقوام على التعارف والتعاون، وعلى كل عمل صالح، كما دعا إلى تحقيق الخير والعدل والإحسان والبِرّ ونهى عن البغي والمنكر، وعن الأفعال الرديئة، وعن الضلال وعن الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة.
فالحضارة الإسلامية تستند في أصولها إلى علمه تعالى، وإلى تعليمه الإلهي.
أوّل الوحي إلى الرسول الكريم، طلب قراءة النور الإلهي المنزّل. فلقد كان الوحي تَلَقِّياً سمعياً وقراءة عيانية : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق ))] العلق:١[ (( ولقد رآه بالأفق المبين، وما هو على الغيب بضنين )) ] التكوير: ٢٤,٢٣[، كما كانت فاتحة الوحي أيضاً منّته جلّ وعلا على الإنسان، بتعليمه ما لم يعلم.(( اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم)) ]العلق:٥,٤,٣[.
ومن التعليم الإلهي، إيداع فكر الإنسان القدرة على تمييز الأمور، والوصول من المجهول إلى المعلوم، ومنح عقل الإنسان قوة التجريد، وتحليل عناصر الأشياء وتركيبها، لِيتمَّ له بالتدرج المناسب الحصول على بعض ما في خزائن الغيب من علم ومعرفة حيناً بعد حين، وعصراً تلو عصر، ليغدوَ الإنسان الخليفة، وليتسلّم من يديه جلّ وعلا مفتاح التصرّف في الخلائق من جماد ونبات وحيوان، وليمسك بزمام السياسة الحكيمة العادلة الخيّرة المسؤولة، كما نفهم نحن ذلك من قصة خلق آدم الواردة في التنزيل.
منذ تباشير الدعوة، اتّخذ الرسول (ص) دار الأرقم بن عبد مناف بن سعد المخزومي، مركزاً له ولأصحابه، حين كانت الدعوة سرية يلتقون فيها فيلْتفّون حول الرسول الكريم يتلون ما يتنزل من سور النور الإلهي وآياته ويتلقنون مبادئ الإسلام ويتفهمون مراميه العالية. ثم أصبح منزل الرسول في مكة بمثابة المعهد يؤمه المؤمنون، ويتلقون فيه القرآن المجيد، ويستمعون إلى الحديث الشريف.