التراث السياسي الإسلامي(١)
مهدي مهريزي(*)
عبد الجبار الرفاعي(**)
تشكّل السياسة العامل الأهمّ الذي تحكَّم في نشأة وتطور الحياة الفكرية في التاريخ الإسلامي، ولا يحتاج الباحث إلى جهد كبير ليكتشف أنّ علم الكلام مثلاً وُلد وتغذّى وترعرع في فضاء الجدل السياسي الذي ظهر باكراً في المجتمع الإسلامي، وهكذا الحال في غير واحد من العلوم الإسلامية، التي تلونت في نشأتها وتطورها بالمواقف السياسية للجماعات والفرق، واكتست برؤاها العقائدية والمذهبية، وتغلغلت في بُنية هذه العلوم عناصر من أزمات السياسة وإشكالياتها، وظلّت تغذّيها وتحدّد وجهتها.
ويتجلّى ذلك في الفكر السياسي الإسلامي، فإن هذا الفكر تبلور في إطار التجربة السياسية في الدول السلطانية، واصطبغ بنمط العلاقات بين السلطان والرعية، وما سادها من ظواهر، تحوّلت بمرور الأيام إلى أمراض مزمنة أعاقت نمو الفكر السياسي وتكامله.
ما نريد الإشارة إليه من خلال الملاحظة السابقة، هو أن تراثنا السياسي يُقرأ بنحوين من القراءة، كلتاهما متحيّـزة غير موضوعية، لأنه تجري في الأولى قراءته من منظور الوعي السياسي الغربي، ويُعاد تأويله عبر إسقاط أحكام جاهزة مستعارة من المفاهيم السياسية الأوروبية عليه، بينما يُحاط في القراءة الثانية بالكثير من المبالغات والأحكام المثالية، حين يعمد البعض إلى تجاهل أزماته ومشكلاته الأولى، وما نجم عنها من تشوّه وانحراف، فيقرأه قراءة تنزيهية تبجيلية أو اعتذارية، تنزّه السلطان من الطغيان، وتعتذر لفتاوى فقيه السلطان بلزوم القاضية طاعة جور الحاكم وظلمه.
إن القراءة الثانية تتكتّم على السلوك السياسي لخلفاء الجور وولاتهم، وتحاول عزل الفكر السياسي عن نسقه الحضاري والبيئة