من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر. ( نهج البلاغة ٤: ٣٦)      قدر الرجل على قدر همته. ( نهج البلاغة ٤: ١٣)      من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )       ربّ يسير أنمى من كثيرٍ. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      
البحوث > المتفرقة > المقاصد الشرعية العليا الحاكمة الصفحة

المقاصد الشرعية العليا الحاكمة
التوحيد ـ التزكية ـ العمران
د. طه جابر العلواني(*)

محددات عامة
١ ـ المقاصد الشرعيّة العليا الحاكمة كليّات مطلقة قطعيّة تنحصر مصادرها في المصدر الأوحد في كليّته وإطلاقه وقطعيّته وكونيّته وإنشائه للأحكام، ألا وهو القرآن المجيد. وذلك بقراءة وفهم وتدبّر ينطلق من ((الجمع بين القراءتين))، قراءة الوحي وقراءة الكون. وهذا الجمع لابد من تحديد مبادئه وقواعده وأصولـه ومناهجه حتى تستقر وتتيسر سبل التعامل معه ليستعمل باعتباره محدَّداً منهاجيّاً قرآنياً. وقد حاولنا ذلك في رسالتنا الحاملة لـهذا العنوان، المطبوعة سنة ١٩٩٧ في القاهرة. ولا يزال البحث في حاجة إلى استكمال وتعميق وتطبيق ليبلغ المستوى المنهجي المطلوب(١).

(*) رئيس المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، ورئيس جامعة العلوم الاسلامية والاجتماعية.
(١) منهجية ((الجمع بين القراءتين)) تعني قراءة الوحي وقراءة الوجود معاً وفهم الإنسان القارئ كلا منهما بالآخر باعتبار القرآن العظيم معادلاً موضوعياً للوجود الكوني يحمل ضمن وحدته الكلية منهجية متكاملة يمكن فهمها واكتشافها في إطار التنظير لتلك الوحدة الكلية، كما أن الكون يحمل ضمن وحدته الكليّة قوانينه وسننه، والإنسان - وإن كان جزءاً من الكون - لكنه عند النظر يعد أنموذجاً مصغراً للوجود الكوني ومستخلفاً فيه (وتزعم أنك جرم صغير ـ وفيك انطوى العالم الأكبر) هذه الرؤية أو المنهجية في ((الجمع بين القراءتين)) ذكر معالمها بإيجاز الحارث المحاسبي (ت ٢٤٣ هـ) في كتابه ((العقل وفهم القرآن)) لكن إشارات الكتاب كانت مرتبطة بالسقف المعرفي الذي كان سائداً وبالحالة الفكرية العامة، ثم توسع الإمام الرازي في هذا المجال وبنى تفسيره الكبير ((مفاتيح الغيب)) على هدًى من هذه ((المنهجية)) في الحدود التي رآها فيها في عصره، كما وردت إشارات لـها في ((الفتوحات المكية))
(لابن العربي) في مواضع عديدة، ومعظم من تأثروا بفخر الدين الرازي نحوا نحوه في هذا المجال كما وردت إشارات متفرقة لـها لدى كثير من المفسرين، ومن أبرز من أعادوا تقديم هذه ((المنهجية)) من المعاصرين وبلورتها الأخ محمد أبو القاسم، حيث شرحها وأوضحها وجعلـها في مستويات ثلاثة في كتابه ((العالمية الإسلامية الثانية)): مستوى التأليف بين القراءتين ونسبه إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومستوى الجمع ونسبه إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ومستوى الدمج. ويعتبر أبو القاسم عصرنا هذا بمثابة البداية لـه. لكننا نرى ((الجمع بين القراءتين)) مغنياً عن الدخول فيما عداه، وقد أعددت في إطار سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية في المغرب ١٩٩٣ دراسة وجيزة لـهذه ((المنهجية)) حاولت إلقاء مزيد من الضوء عليها، وهي لا تزال في حاجة إلى دراسة وتعميق وتوسع من علماء ذوي تخصصات مختلفة لتفهم وتشيع وتتداول ويكون لـها أثرها في مجالات فهم القرآن وبناء علومه المعاصرة، وعلى هذه القاعدة المتينة تقوم عملية ((إسلامية المعرفة)) وبناء نظرية المنظور الحضاري الإسلامي في مسارها الراهن. والله أعلم.