الإسراف
* محمد سعيد الأمجد
قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(١).
وقال تعالى أيضاً: (وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يُقَتِّرُوا)(٢).
معنى الإسراف
الإسراف هو تجاوز حدّ الاعتدال في كل فعل يفعله الإنسان في المأكل أو المشرب أو الملبس أو الشهوة أو المعيشة أو غير ذلك من الأمور، سواء كانت المادية أو المعنوية.
أمّا المصطلح القرآني فاستخدم كلمة الإسراف في تجاوز حدّ الاعتدال على مستويين؛ الكمية والكيفية. فالكميّة تناولت طرح موضوع التجاوز في الأشياء الحسيّة كالأكل والشرب وكميّة المال المنفق على متعلقات الإنسان غير الضرورية. كما ورد في الآيتين المتقدمتين.
وأمّا على مستوى الكيفية فقد تناول القرآن تجاوز حدّ الاعتدال في الأمور الشرعية والاجتماعية والحقوقية فقال سبحانه: (إنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)(٣) حيث ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية قوله: (أي لا يهدي إلى جنته وثوابه من هو مسرف على نفسه، متجاوز عن الحدّ في المعصية)(٤). كما سمّى القرآن الكريم قوم لوطٍ مسرفين لتجاوزهم قصد الشارع سبحانه وحكمته من التزويج بالنساء. وكذا قوله في تجاوز الحدّ في المعصية: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ)(٥). وقوله في تجاوز قتل القاتل إلى غيره: (فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)(٦).
وهذا الاستعمال القرآني لكلمة الإسراف وتوسعة مفهومه يشير إلى معان أخرى مقاربة للمعنى اللغوي، ويفتح لنا نافذةً للبحث عمّا وراءه من دلالات وانعكاسات وأغراض، منها اقتصادية و صحيّة و اجتماعية وشرعية، سنأتي على ذكرها تباعاً إنشاء الله تعالى.
والعلاقة بين التبذير والإسراف هي أنّ التبذير أخصّ من الإسراف لأنّه يختصّ بالأموال، فمعنى تبذير المال يعني تفريقه على غير وجوهه الصحيحة وتضييعه، وهو يعدّ ـ أيضاً ـ تجاوزاً لحدّ الاعتدال في التعامل مع الأموال، وقد ذكر القرآن الكريم محذّراً من التبذير قول الله عزّ وجلّ: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)(٧).