الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      مرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة. ( نهج البلاغة ٤: ٥٥)      لا يَصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده. ( نهج البلاغة ٤: ٧٤)      من كتم سره كانت الخيرة بيده. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)      من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      
البحوث > المتفرقة > المجتمعات التقليدية في عالم متغير الصفحة

المجتمعات التقليدية في عالم متغّير
المسلمون ورهانات التأويل الثقافي لمعطيات الحداثة والعولمة
د. عبدالله إبراهيم(*)

(١)
نقصد بالمجتمعات التقليدية تلك المجموعات البشرية المحكومة بنسق متماثل من القيم شبه الثابتة (أو الثابتة) والتي تستند في تصوراتها عن نفسها وعن غيرها إلى مرجعيات عقائدية أو عرقية ضيقة، والتي تتحكّم بها روابط عشائرية أو مذهبية، والتي لم تفلح في صوغ تصورات شاملة عن نفسها وعن الآخر، فلجأت إلى الماضي في نوع من الانكفاء الذي تفسره باعتباره تمسكا بالأصالة، وهي المجتمعات الأبوية التي يتصاعد فيها دور الأب الرمزي من الأسرة، وينتهي بالأمة والتي لم تتحقق فيها الشراكة التعاقدية في الحقوق والواجبات، وتخشى التغيير في بنيتها الاجتماعية، وتعتبره مهددا لقيمها الخاصة، فالحذر قائم تجاه كل تحديث، وهي المجتمعات التأثيمية التي تؤثّم أفرادها عندما يقدّمون أفكارا جديدة، ويتطلعون إلى تصورات مغايرة، ويسعون إلى حقوق كاملة، فكل جديد هو نوع من الإثم، وهي المجتمعات المعتصمة بهوية ثقافية قارّة لا تعرف التحوّل، ولا تقرّبه، وأخيراً هي المجتمعات التي لاذت بتفسير ضيق وشبه مغلق للنصوص الدينية، وصارت مع الزمن خاضعة لمقولات ذلك التفسير أكثر من خضوعها للقيمة الثقافية والأخلاقية والروحية الدينية الأصلية. وبالإجمال هي المجتمعات التي لم تتمكن بعدُ من التمييز بين الظاهرة الدينية السماوية من جهة، والشروح والتفاسير والتأويلات الأرضية التي دارت حولها، من جهة ثابتة، فتوهمت بأن تلك الشروح والتفاسير والتأويلات هي الدين عينه، فأضفت قدسية عليها، وصارت تفكر وتتصرّف في ضوئها، وهي تختلف باختلاف المذاهب والطوائف والأعراق والبلدان والثقافات والأزمان.
ونقصد بالعالم المتغير تلك الحركة العارمة من النشاط العقلي والعلمي والسياسي الاقتصادي والثقافي الذي شمل أجزاء كبيرة من المجتمعات، فتمكنت تلك المجتمعات من تحديث بنياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية استنادا إلى تصورات متجددة (غير ثابتة) وتحررت بدرجة ما من عبء الماضي،و تمثلت روحه، لكنها لم تقع في أسره، إنما أدرجته في تفاصيل حياتها، وانفتحت على المستقبل في حركة ناشطة، وتعاقدت على تصورات واضحة حول مفاهيم الحقوق والواجبات والحريات والمشاركة الجماعية في كل شيء.

(*) مفكر عراقي، يعمل حالياً أستاذاً في كلية الإنسانيات/ جامعة قطر، أصدر سلسلة كتب تعالج مشروع (الاختلاف) كبديل مقترح لتخطّي (المطابقة) مع الآخر ومع الماضي.