أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      اللسان سبع إن خلي عنه عقر. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      القناعة مال لا ينفد. ( نهج البلاغة ٤: ١٤)      الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه. ( نهج البلاغة ٤: ٩١)      ما خيرٌ بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بِشَرٍّ بعده الجنة. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)      
البحوث > المتفرقة > الجدلية التأويلية في الحديث عن اللاهوتي المسيحي المعاصر الصفحة

الجدلية التأويلية في الحديث اللاهوتي المسيحي المعاصر
الأب فاضل سيداروس
إن موضوع مداخلتي هو «الجدلية التأويلية (Dialectique hermeneutique) أو «الدائرة التأويلية» Cercle hermeneutique) كما يقول الفرنسيون، في الحديث اللاهوتي المسيحي المعاصر الغربي(١).
وسأتناول الموضوع من ناحيتين، إحداهما نظرية بطرح قضية الجدلية التأويلية، والأخرى عملية بتطبيق ذلك على مجال ضمن العديد من المجالات وهو «لاهوت التحرير».

قضية الجدلية التأويلية
لماذا «التأويل»؟ وما هي إشكالية التأويل؟ وفي ضوء ذلك، لماذا الحديث عن «الجدلية» التأويلية؟

١ـ لماذا التأويل؟
تتمثل ضرورة التأويل بسببين، أولهما يتعلق بنص الكتاب المقدس نفسه، والثاني بعلاقاته مع قارئه.
ففي ما يختص بالنص الكتابي، تجدر الإشارة إلى أن ثمة مسافة أدبية بين حرفية النص وبين ما يقصده، بين الحدث المكتوب وبين معناه، بين خصوصيته وشموليته، فتستدعي هذه المسافة تأويلاً وظيفته فهم المعنى الشمولي المقصود في خصوصيته الحدث المروي.
ولكن هناك مسافة أخرى تستوجب التأويل، وهي مسافة زمنية بين النص ـ وهو يعود إلى ألفي سنة بشأن هذا الكتاب المقدس مثلاً، أو أقل بشأن صيغ عقائدية في علم اللاهوت ـ وبين قارئ النص، وهو قارئ من هذا القرن أو ذاك، من هذه الثقافة أو تلك.
ومما يزيد المسافة تعقيداً أن وضع قارئ نص يختلف عن وضع متحاور يتحاور. في هذه الحالة إن المتحاور بوسعه أن يستفسر من محاوره ويطرح عليه أسئلة ويجادلـه في حديثه، فيدور الحوار بين «أنا»/ «أنت»، وأما في تلك الحالة، فلا حوار ممكناً؛ لأن العلاقة هي بين «نص»/ «قارئه»، وبالتالي ما من مخرج إلاّ بتأويل القارئ للنص، وإنما التأويل حينذاك هو في سبيل تقليل المسافة بين حضارتين وعقليتين متباينتين.
لقد تلمسنا إذا مسافتين، إحداهما يمكن إطلاق عليها صفة «السنكرونية» (Synchronia) أي نص في حد ذاته بين حرفتيه ومعناه، والأخرى صفة «الدياكرونية» (Diachronia) أي علاقة النص بقارئه مع مسافة الزمن، وما وظيفة التأويل سوى تجاوز هاتين المسافتين السنكرونية والدياكرونية، في سبيل أن يخاطب النص القارئ.

(١) محاضرة ألقيت في جزئها الأول في مؤتمر أساتذة اللاهوت بالشرق الأدنى، بدير الأنبا بيشوي، في سبتمبر ١٩٩٧م، وفي جزئها الثاني في مؤتمر الفلسفة السابع، بجامعة القاهرة، يوم ١٦ ديسمبر ١٩٩٥م.