إذا تم العقل نقص الكلام. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      بالإفضال تعظم الأقدار. ( نهج البلاغة ٤: ٥٠)      إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها. ( نهج البلاغة ٤: ٦٨)      الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم. ( نهج البلاغة ٤: ٤٠)      عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)      
البحوث > المتفرقة > إشكالية الحوار مع الآخر المختلف الصفحة

اشكالية الحوار مع الآخر المختلف
ماجد الغرباوي
لم يكن الحوار مع الآخر المختلف طارئاً على فضاء الحضارة الاسلامية، ومنهجها في الدعوة الى الله تعالى، بل مارس المسلمون الحوار مبكراً على مستويات شتى مع حضارات وديانات ذات منحى فكري ـ فلسفي لا يلتقي بالضرورة مع الافق الفكري ـ الفلسفي للرسالة الاسلامية، بيد ان نقاط الالتقاء ساهمت في خلق مناخ ملائم لاستعراض الافكار ومعالجة الاشكاليات التي ارتهنت عقل الآخر واثارت تحفظاته ضد القيم الجديدة. وكان المنهج القرآني حاضراً في الحوارات العقيدية والفكرية، وكان المسلمون اشد حرصاً على الانطلاق من نقاط الالتقاء استجابة لقوله تعالى : (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله، فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، وقد تطورت العلاقة في ظل المنهج القرآني، الى مستوى الدخول في دين الله افواجاً، بعد التخلي عن ترسبات الماضي الثقافي والانفتاح على الحضارة الوافدة.
وبأسلوب (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) حسم المسلمون الحوار والمعارك الكلامية لصالح الحضارة الاقوى، وفتحوا امام اشعاعات الدعوة الجديدة آفاقاً رحبة امتدت لتطال اقاليم الشرق والغرب، متحدية بنموذجها كل الحضارات البشرية القائمة على الجهل واللادين . وهو نموذج فرض نفسه عبر معطيات منجزه الحضاري التي اثرت في الحياة، ورفدت الامم بزخم معرفي انتزعها من واقعها السيئ، وارتقى بها الى مستوى انساني رفيع في اعقاب ردح طويل من الزمن عاشته في ظل عبودية استبدادية قوامها القوة والعنف والتزوير.
ولم يواجه الحوار الحضاري الاسلامي في مراحله الاولى تحدياً إلا من قبل شعوب كانت تحتفظ بانساق فلسفية وسياقات فكرية تتحكم بأداء العقل وتمنع اي مراجعة من شأنها تقويض البنى الفكرية له .
فاضطرت، هذه الشعوب اخيراً الى التكيّف مع الوافد الاسلامي بعد مقاومة عنيدة، ونجحت بتقديم نموذج حضاري اسلامي تفوح منه رائحة الموروث الثقافي بقوة، وظلت الترسبات الثقافية ثاوية في اللاشعور تتحين الفرص لتؤكد ذاتها من خلال ما تقدمه من فهم للنص الديني. وربما اضفت، من منطلق القوة، المادية او المعنوية، قدسية للفهم الجديد تنافس قدسية القيم والمبادئ الاسلامية وربما تطيح بها، وقد تعكس في الخارج، في بعض الاحايين، صورة ملتبسة عن الدين يدفع الاسلام ثمنها ويتحمل المسلمون مسؤوليتها . ويتميز هذا النمط من التفكير ـ عادة ـ بمنحاه القومي، او القومي الاسلامي، وملاحقته المستمرة لبقايا حضارته المندثرة ليصيرها نموذجاً حضارياً يكافئ النموذج الاسلامي، ويطمح ان يدخل معه في نزال من اجل مستقبل لا يلغي الماضي، وان كان بالياً، وانما يستنفذ كل طاقته ليرسم له صورة مشرقة في اذهان اتباعه.