المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان
قراءة في المرتكزات السياسية والاجتماعية للتجربة
د. علي فياض*
لم تنل تجربة المقاومة الاسلامية، فيما آلت اليه من انتصار على الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني او في نجاحاتها قبل ذلك، الاهتمام البحثي اللازم القادر على كشف منطقها الجهادي ومرتكزاتها الايديولوجية والسياسية وآليات اشتغالها التكتيكية ووظائفها الاستراتيجية، وكيفية معالجتها للاشكاليات المجتمعية والسياسية التي واجهتها، ولا يبعد أن يكون ذلك تعبيراً عن علة في الوعي المعرفي العربي، حيث غالباً ما تتأخر الاستجابة البحثية في دراسة الظواهر، دون مساوقة أو مواكبة موازية للوقائع والحوادث.
لقد استقر انتصار المقاومة كظاهرة متعاكسة مع موازين القوى العالمية والاقليمية في المجال الشرق اوسطي، أو كنتوء استثنائي خارج سياق الانحدار العربي الذي تعبر عنه مناخات التسوية ومعادلاتها واتفاقياتها، وبدا هذا الانتصار كلحظة تاريخية مقطوعة خارج الزمن السياسي الذي دشنته حرب الخليج الثانية. وكتجربة فكرية وعملية خارج الحقل التداولي لمنظومة الافكار التي هيمنت على الفكر السياسي العربي بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود الهيمنة الامريكية.
فما الذي اعطى لهذه الظاهرة خصوصيتها؟ وما هو مرتكزها الجوهري في تحقيق نجاحاتها؟ وهل ثمة منطق جهادي خاص يسمح بالاستناد اليه، يرسم المسار الارتقائي لهذه التجربة، وتحديد قواعد اشتباكها مع الواقع بتعقيداته واشكالياته؟ وهل يمكن استخلاص معادلات قياس لهذه التجربة، تنبني على أساسها نظريتها الخاصة بالصراع والمواجهة؟ هل تنطوي هذه التجربة على مناحي تجديد في مرتكزات الصراع مع العدو، وما هي الوجهة المستقبلية له؟
لا تدعي هذه الورقة انها سعت للاجابة عن كل هذه الاسئلة، وان كانت تشدد على أهميتها دون استثناء، وهي حاولت أن تقارب جوانب محددة في تجربة المقاومة تنتمي الى الحقل الاجتماعي ـ السياسي والفكري، طالما أن الحقل العسكري(١) وما حفل به من اسهامات جهادية فذة، كان العنوان الباهر لهذه التجربة وتحت مجهر المراقبة الدائمة، وطالما أن « الشهادة » مفهوماً وممارسة، كانت ركيزة المرتكزات في هذه التجربة ومحور محاورها الذي لا ينافس ويمتنع على التشبيه والمقاومة.