صدر العاقل صندوق سره. ( نهج البلاغة ٤: ٣)        رب ساعٍ فيما يضرّه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)        الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء. ( نهج البلاغة ٣: ١٠٨)      إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها. ( نهج البلاغة ٤: ٦٨)      
البحوث > المتفرقة > تعريف عام بالحضارة الصفحة

تعريف عام بالحضارة
دراسة في مصطلحات: المدنية والثقافة والحضارة
د. فيكتور الكك*
علَّمتنا دراستنا التاريخ، ولاسيَّما تاريخ الحضارات، انّ كثيراً من الخلافات والنزاعات تعود الى خلل في التواصل التعبيري بين الفرقاء. يستوى في ذلك الافراد والجماعات والدول. فكثيراً ما لا تحمل المصطلحات المتداولة فيما بينهم الدلالات نفسها، فينشب الخلاف، ويتعاظم احياناً إلى ما لا تحمد عقباه. ذلك ان اللغة، وان هي خير وسيلة للفهم والتفاهم، تشحن المصطلحات بمعان والوان عاطفية وصور تخييلية لا تتماثل لدى الطرفين.
زد على ذلك ان اللغة كائن حي تتحول مدلولات مفرداتها بتحول المجتمعات وتطورها. فهي «مرآة احوال الامة»، يكتسب كثير من مفرداتها معاني جديدة تضاف إلى المعاني القديمة أو تجانب المعاني السابقة، من ذلك: سيارة، طيارة، جريدة، مجلة، حاسوب، ناسوخ، فضاء، مركبة، ذرة، وسواها.
ولم يكن مصطلح «الحضارة» ليشذ عن سنة الحياة، فاكتسب، وفاق حالة المجتمعات وتطورها، معاني متعددة حتى افضت به الاحوال إلى مدلوله العصري. ومع ذلك، فمصطلح الحضارة موضوع ابهام، وتداخل في المعاني، وتناقض، ولاسيما بالنسبة إلى مصطلح «الثقافة»، في لغات العالم المنتشرة. اما في اللغة العربية فنصيبه من ذلك ادهى في التصور والاستعمال; لانه كثيراً ما يرد مقروناً بمصطلح «المدنية» أو «التمدن»، اضافةً إلى مصطلح «الثقافة»! ولما كانت العربية تنفرد من دون اللغات الواسعة الانتشار بهذه المصطلحات الثلاثة، فاني اقدم بحثي باللغة نفسها.
لابد من الاشارة، في هذا السياق، إلى ان كلمتي حضارة وثقافة ـ بالانكليزية: Civilization and Culture، وبالفرنسية: Civilisation et Culture ـ يستعملهما الكتاب الغربيون مترادفتين أو متجاورتين من غير تفريق دقيق بينهما، في مواقع
كثيرة. اما كتاب العربية فينحون نحوهم. ونادراً ما تقع على نص عربي يستعمل كاتبه هذه المصطلحات في تساوق من التفريق بين الدلالات. اما في وسائل الاعلام العربية فترجح كفة مصطلح «الثقافة» في الاستعمال على مصطلحي «الحضارة» و«المدنية» في حين تراجع مصطلح «التمدن» الذي سبق اليه جرجي زيدان وكرسه في موسوعته الرائدة «تاريخ التمدن الاسلامي».
يعود الخلط بين هذه المصطلحات، فيما يعود، الى الترجمات بالعربية والمعاجم العربية والفارسية، اضافة إلى كثير من المعجمات الغربية. لا يتسع المجال، في هذا المقام، لعرض نماذج كثيرة من الترجمات وتحديد المعاجم لهذه المصطلحات. ونكتفي بنماذج من ترجمة معروفة لمعجمات منتشرة.

(*) استاذ جامعي .