«العرفان الصحيح»
* السيد كاظم الحائري
قد اتضح بكل ما سردناه أن الفقه والعرفان يشكّلان سدى ولحمة ثوب التقوى ، ومن يفصل بينهما ويفترضهما مدرستين منفصلة إحداهما عن الأخرى ، فلا يعرف شيئاً من الفقه ولا العرفان .
وأُؤكد أنّني لا أقصد بفرض الظاهر والباطن للاسلام تصحيح طريقة الباطنيين ، الذين يُظهِرون للناس شيئاً ويُبطنون شيئاً آخر ، بل أقصد أن للاسلام باطناً يشع من ظاهره ، وظاهراً شفّافاً يُري باطنه ، وظاهره يتلألأ نوراً ، وباطنه أصفى وأنقى ، وظاهره هو الذي تكفّل به الفقه الذي يحدّد الإجزاء وسقوط القضاء والإعادة لعامة الناس ، وباطنه أيضاً يفهم من نفس الأدلة الفقهية ، ويستفيد منه علماً وعملاً الخلّص من عباد اللّه ، كلّ بدرجته .
ولم يكن بالإمكان تكليف عامة الناس بتحصيل كل درجات الكمال للنفس ، فاكتفى الاسلام بأقل الدرجات لعموم الناس ، مع فتح باب الترقي والنمو والاقتراب الى اللّه سبحانه وتعالى لمن أحبّ ذلك بقدر ما يهتمّ به .
ولتوضيح اكتفاء الاسلام باقل الدرجات لعامة الناس ، مع ارشاده إلى مراتب أرقى من ذلك ، نشير إلى عدد من المسائل الفقهية :
الأولى : لا إشكال فقهيّاً في حرمة :
١ ـ لبس الخاتم من الذهب للرجال .
٢ ـ استعمال أواني الذهب والفضة .
بالتفصيل المذكور في علم الفقه ، ولكن الفقه لم يحرّم على الانسان مطلق الاستفادة من الأموال التي تكون فوائدها وهمية ، فصحيح أن آنية الذهب والفضة لا تختلف في الفائدة عن أوان أخرى ، إلاّ بالاعتزاز بكونها ذهباً أو فضّة ، والتباهي بها ، وليس هذا إلاّ فائدة وهمية . أما الفائدة الاستعمالية الحقيقية فالأواني الأخرى مشتركة فيها مع أواني الذهب والفضة ، وكذلك الخاتم من الذهب لا يختلف عند الرجال عن غير الذهب إلاّ بالتباهي والاعتزاز به ، وهو إنما يناسب حالة النساء ; لأنهنّ بحاجة حقيقية إلى الزينة والحلية ، وقد عبّر اللّه تعالى عنهن بقوله : (أو من يُنشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)(١) .
وقال الشاعر :