من غرر حكم أهل البيت (عليهم السلام)
الإحسان
* الشيخ عبد اللطيف الأسدي
المقدمة
لو لم يتحل الانسان إلاّ بالإحسان لكفاه أن يكون جديراً بالقرب من اللّه والفوز برضاه ، وأن يحظى بموضع عناية اللّه به ومحل إكرامه له ، إذ كان اللّه دائماً مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، ومعيّة اللّه للانسان تحقّق انتصار الانسان على ذاته وتمرده على أنانيته، وهذه مسألة في غاية الأهمية في حياة الانسان بين أبناء مجتمعه ، ففي ظل نظام الإحسان تعيش الاُمة حياة كريمة حرّة ومنعّمة تسودها عدالة السماء وتظلّلها أشعة الخير والفَرَهِ . ويعطف القرآن المجيد الإحسان على العدل في قوله تعالى : (إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان) ، ليتحقق الصلاح في أطراف الأرض فيشعر الكل بشعور رقابة اللّه ، وتربطهم روابط الحب في اللّه فتنسكب رحمته على عباده ، فتتدفق ينابيع تلك الرحمة ثجاجة في قلب ونفس ومشاعر كل انسان ، وفي روحه ووعيه ، وتضمر الجميع نفحة اللطف الإلهي ليسلم القلب وتطهر الروح ويصفو الضمير فتتهذب الأخلاق وترقّ الطباع ، فهو سبحانه بذلك وبإرادته يهديه إليه ويختاره وليّاً له .
وقد زخر القرآن الكريم بمفردات الإحسان من حيث المعنى العام والهدف والمنطلق فركّز عليها وأولاها قيمها السامية التي تصبّ كلها في قناة بناء شخصية الفرد والمجتمع المؤمن الواعي لإرساء قواعد النجاة والهدى في الأرض ، وبناءً على ذلك فقد حفلت حياة أئمة الهدى صلوات اللّه عليهم أجمعين بمعطيات الإحسان في كل اتجاه إذ لا نرى مكاناً ولا زماناً إلاّ وعامل الإحسان لديهم هو المحور في سلوكهم مع كافّة الناس ، فهم(عليهم السلام) يستوحون من واقع القرآن مبادئ تربية الانسان وبناء شخصيته لاقامة صرح الحياة كما أرادها اللّه تعالى ، فهم الوجود التطبيقي لحياة القرآن ، وهم الصفوة المختارة لتعليم القرآن وهم القلب النابض في اُمة القرآن ، فسلوكهم وتفكيرهم ومنهجهم القرآن . وتظل مسيرة عطاء القرآن قائمة ودائمة لا تنقطع مادام الحاكم هو القرآن ، ولا يبرح الانسان وهو يلتف حول مناهج القرآن ومبادئه حتى يحقّق ارادة اللّه في الأرض على ضوء ما جاء به القرآن .
ومن خلال النصوص التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ، وفي اُفق السيرة النبوية المطهرة وحياة أئمتنا(عليهم السلام) سأركز البحث على موضوع الإحسان فقط دون موضوع العدل ، ولكن سأختصر في ذلك على ما ورد في هذا المعنى في إطار أحاديث الرسول الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله) وأقوال أئمتنا صلوات اللّه عليهم مستعيناً بالمصادر المتوفرة لدي قدر الإمكان لتكون تلك الأحاديث والأقوال محوراً لتوضيح مفهوم الإحسان الذي نحن بصدد البحث عنه ، ولكي لا أطيل الحديث على